صفحة جزء
آ . (109) قوله تعالى : أفمن أسس بنيانه : قرأ نافع وابن عامر : " أسس " مبنيا للمفعول ، " بنيانه " بالرفع لقيامه مقام الفاعل . والباقون " أسس " مبنيا للفاعل " بنيانه " مفعول به ، والفاعل ضمير من . وقرأه عمارة بن عائذ الأول مبنيا للمفعول ، والثاني مبنيا للفاعل ، و " بنيانه " مرفوع على الأولى ومنصوب على الثانية لما تقدم . وقرأ نصر بن علي ونصر بن عاصم " أسس بنيانه " . وقرأ أبو حيوة والنصران أيضا " أساس بنيانه " جمع أس ، وروي عن نصر بن عاصم أيضا " أس " بهمزة مفتوحة وسين مشددة مضمومة . وقرئ " إساس " بالكسر وهي جموع أضيفت إلى البنيان . وقرئ " أساس " بفتح [ ص: 124 ] الهمزة ، و " أس " بضم الهمزة وتشديد السين ، وهما مفردان أضيفا إلى البنيان . ونقل صاحب كتاب " اللوامح " فيه " أسس " بالتخفيف ورفع السين ، " بنيانه " بالجر ، فأسس مصدر أس يؤسه أسسا وأسا فهذه عشر قراءات .

والأس والأساس القاعدة التي بني عليها الشيء ، ويقال : " كان ذلك على أس الدهر " كقولهم : " على وجه الدهر " ، ويقال : أس مضعفا أي : جعل له أساسا ، وآسس بزنة فاعل .

والبنيان فيه قولان ، أحدهما : أنه مصدر كالغفران والشكران ، وأطلق على المفعول كالخلق بمعنى المخلوق . والثاني : أنه جمع وواحده بنيانة قال الشاعر :


2545 - كبنيانة القاري موضع رحلها وآثار نسعيها من الدق أبلق



يعنون أنه اسم جنس كقمح وقمحة .

قوله : على تقوى يجوز فيها وجهان ، أحدهما : أنه متعلق بنفس " أسس " فهو مفعوله في المعنى . والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكن في " أسس " أي : قاصدا ببنيانه التقوى ، كذا قدره أبو البقاء .

[ ص: 125 ] وقرأ عيسى بن عمر " تقوى " منونة . وحكى هذه القراءة سيبويه ، ولم يرتضها الناس لأن ألفها للتأنيث فلا وجه لتنوينها . وقد خرجها الناس على أن تكون ألفها للإلحاق ، قال ابن جني : " قياسها أن تكون ألفها للإلحاق كأرطى " .

قوله : خير خبر المبتدأ . والتفضيل هنا باعتبار معتقدهم . و " أم " متصلة ، و " من " الثانية عطف على " من " الأولى ، و " أسس بنيانه " كالأول .

قوله : على شفا جرف كقوله : " على تقوى " في وجهيه . والشفا تقدم في آل عمران . وقرأ حمزة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم " جرف " بسكون الراء والباقون بضمها ، فقيل : لغتان . وقيل : الساكن فرع على المضموم نحو : عنق في عنق وطنب في طنب . وقيل بالعكس كعسر ويسر . والجرف : البئر التي لم تطو .

وقيل : هو الهوة وما يجرفه السيل من الأودية قاله أبو عبيدة . وقيل : هو المكان الذي يأكله الماء فيجرفه أي يذهب به . ورجل جراف أي : كثير النكاح كأنه يجرف في ذلك العمل . قاله الراغب .

قوله : هار نعت لجرف . وفيه ثلاثة أقوال ، أحدها : - وهو المشهور - أنه مقلوب بتقديم لامه على عينه ، وذلك أن أصله : هاور أو هاير بالواو والياء [ ص: 126 ] لأنه سمع فيه الحرفان . قالوا : هار يهور فانهار ، وهار يهير . وتهور البناء وتهير ، فقدمت اللام وهي الراء على العين - وهي الواو أو الياء - فصار كغاز ورام ، فأعل بالنقص كإعلالهما فوزنه بعد القلب فالع ، ثم تزنه بعد الحذف بـ فال .

الثاني : أنه حذفت عينه اعتباطا أي لغير موجب ، وعلى هذا فيجري بوجوه الإعراب على لامه ، فيقال : هذا هار ورأيت هارا ومررت بهار ، ووزنه أيضا فال .

والثالث : أنه لا قلب فيه ولا حذف وأن أصله هور أو هير بزنة كتف ، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفا فصار مثل قولهم : كبش صاف ، أي : صوف أو يوم راح ، أي : روح . وعلى هذا فتحرك بوجوه الإعراب أيضا كالذي قبله كما تقول : هذا باب ورأيت بابا ومررت بباب . وهذا أعدل الوجوه لاستراحته من ادعاء القلب والحذف اللذين هما على خلاف الأصل ، لولا أنه غير مشهور عند أهل التصريف . ومعنى " هار " ، أي : ساقط متداع منهار .

قوله : فانهار فاعله : إما ضمير البنيان - والهاء في به على هذا ضمير المؤسس الباني ، أي : فسقط بنيان الباني على شفا جرف هار - وإما ضمير الجرف ، أي فسقط الشفا أو سقط الجرف . والهاء في " به " للبنيان . ويجوز أن يكون للباني المؤسس ، والأولى أن يكون الفاعل ضمير الجرف ، لأنه يلزم من انهياره الشفا والبنيان جميعا ، ولا يلزم من انهيارهما أو انهيار أحدهما انهياره . والباء في " به " يجوز أن تكون المعدية ، وأن تكون التي للمصاحبة . وقد تقدم لك خلاف أول هذا الموضوع : أن المعدية عند بعضهم تستلزم المصاحبة . وإذا قيل إنها للمصاحبة هنا فتتعلق بمحذوف لأنها حال ، أي : فانهار مصاحبا له .

التالي السابق


الخدمات العلمية