آ . (35) قوله تعالى :
يهدي إلى الحق : قد تقدم في أول هذا الموضوع أن " هدى " يتعدى إلى اثنين ثانيهما : إما باللام أو بإلى ، وقد يحذف الحرف تخفيفا . وقد جمع بين التعديتين هنا بحرف الجر فعدى الأول والثالث بـ " إلى " والثاني باللام ، وحذف المفعول الأول من الأفعال الثلاثة ، والتقدير : هل من شركائكم من يهدي غيره إلى الحق قل الله يهدي من يشاء للحق ، أفمن يهدي غيره إلى الحق . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء وتبعهما
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن " يهدي " الأول قاصر ، وأنه بمعنى اهتدى . وفيه نظر ، لأن مقابله وهو
قل الله يهدي للحق متعد . وقد أنكر
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد أيضا مقالة
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء وقال : " لا نعرف هدى بمعنى اهتدى " قلت :
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء أثبتاه بما نقلاه ، ولكن إنما ضعف ذلك هنا لما ذكرت لك من مقابلته بالمتعدي ، وقد تقدم أن التعدية بـ " إلى " أو اللام من باب التفنن في البلاغة ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " يقال : هداه للحق وإلى الحق ،
[ ص: 198 ] فجمع بين اللغتين " . وقال غيره : " إنما عدى المسند إلى الله باللام لأنها أدل في بابها على المعنى المراد من " إلى " ؛ إذ أصلها لإفادة الملك ، فكأن الهداية مملوكة لله تعالى " وفيه نظر ، لأن المراد بقوله :
أفمن يهدي إلى الحق هو الله تعالى مع تعدي الفعل المسند إليه بـ " إلى " .
قوله :
أحق أن يتبع خبر لقوله :
" أفمن يهدي " و " أن " في موضع نصب أو جر بعد حذف الخافض ، والمفضل عليه محذوف ، وتقدير هذا كله : " أفمن يهدي إلى الحق أحق بأن يتبع ممن لا يهدي " . ذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي ابن أبي طالب ، فجعل " أحق " هنا على بابها من كونها للتفضيل . وقد منع الشيخ كونها هنا للتفضيل فقال : " وأحق " ليست للتفضيل ، بل المعنى : حقيق بأن يتبع " . وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي أيضا في المسألة وجهين آخرين أحدهما : أن تكون " من " مبتدأ أيضا ، و " أن " في محل رفع بدلا منها بدل اشتمال ، و " أحق " خبر على ما كان . والثاني : أن يكون " أن يتبع " في محل رفع بالابتداء ، و " أحق " خبره مقدم عليه . وهذه الجملة خبر لـ " من يهدي " . فتحصل في المسألة ثلاثة أوجه .
قوله :
أمن لا يهدي نسق على " أفمن " ، وجاء هنا على الأفصح من حيث إنه قد فصل بين " أم " وما عطفت عليه بالخبر كقولك : " أزيد قائم أم عمرو " ومثله :
أذلك خير أم جنة الخلد . وهذا بخلاف قوله تعالى :
أقريب أم بعيد ما توعدون وسيأتي هذا في موضعه .
[ ص: 199 ] وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بكسر ياء " يهدي " وهائه .
وحفص بكسر الهاء دون الياء . فأما كسر الهاء فلالتقاء الساكنين ، وذلك أن أصله يهتدي ، فلما قصد إدغامه سكنت التاء ، والهاء قبلها ساكنة فكسرت الهاء لالتقاء الساكنين .
nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر أتبع الياء للهاء في الكسر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم في قراءة
حفص " هي لغة سفلى
مضر " ، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه لا يجيز " يهدي " ويجيز " تهدي ونهدي وإهدي " ، قال : " لأن الكسرة تثقل في الياء " ، قلت : يعني أنه يجيز كسر حرف المضارعة من هذا النحو نحو : تهدي ونهدي وإهدي إذ لا ثقل في ذلك ، ولم يجزه في الياء لثقل الحركة المجانسة لها عليها . وهذا فيه غض من قراءة
أبي بكر ، ولكنه قد تواتر قراءة فهو مقبول .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=16810وقالون عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع بفتح الياء واختلاس فتحة الهاء وتشديد الدال ، وذلك أنهما لما ثقلا الفتحة لإدغام اختلسا الفتحة تنبيها على أن الهاء ليس أصلها الحركة بل السكون . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=17274وورش بإكمال فتحة الهاء على أصل النقل . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو nindex.php?page=showalam&ids=16810وقالون اختلاس كسرة الهاء على أصل التقاء الساكنين ، والاختلاس للتنبيه على أن أصل الهاء السكون كما تقدم .
وقرأ أهل
المدينة – خلا
ورشا - بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال . وهذه القراءة استشكلها جماعة من حيث الجمع بين الساكنين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : " من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفية " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12940أبو جعفر النحاس :
[ ص: 200 ] " لا يقدر أحد أن ينطق به " ، قلت : وقد قال في " التيسير " : " والنص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون بالإسكان " ، قلت : ولا بعد في ذلك فقد تقدم أن بعض القراء يقرأ ( نعما ) و ( لا تعدوا ) بالجمع بين الساكنين ، وتقدمت لك قراءات كثيرة في قوله :
يخطف أبصارهم ، وسيأتي لك مثل هذا في
يخصمون .
وقرأ الأخوان " يهدي " بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيف الدال من هدى يهدي وفيه قولان ، أحدهما : أن " هدى " بمعنى اهتدى . والثاني : أنه متعد ، ومفعوله محذوف كما تقدم تحريره . وقد تقدم قول
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء في ذلك ورد
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد عليهما . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية : " والذي أقول : قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي تحتمل أن يكون المعنى : أم من لا يهدي أحدا إلا أن يهدى ذلك الأحد بهداية الله ، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها " أم من لا يهتدي إلا أن يهدى " فيتجه المعنى على ما تقدم " ثم قال : " وقيل : تم الكلام عند قوله : " أم من لا يهدي ، أي : لا يهدي غيره " .
ثم قال :
إلا أن يهدى استثناء منقطع ، أي : لكنه يحتاج إلى أن يهدى كما تقول : فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع ، أي : لكنه يحتاج إلى أن يسمع " . انتهى . ويجوز
[ ص: 201 ] أن يكون استثناء متصلا ، لأنه إذ ذاك يكون فيهم قابلية الهداية بخلاف الأصنام . ويجوز أن يكون استثناء من تمام المفعول له ، أي : لا يهدي لشيء من الأشياء إلا لأجل أن يهدى بغيره .
وقوله :
فما لكم مبتدأ وخبر . ومعنى الاستفهام هنا الإنكار والتعجب ، أي : أي شيء لكم في اتخاذ هؤلاء إذ كانوا عاجزين عن هداية أنفسهم فكيف يمكن أن يهدوا غيرهم ؟ وقد تقدم أن بعض النحويين نص على أن مثل هذا التركيب لا يتم إلا بحال بعده ، نحو :
فما لهم عن التذكرة معرضين وما لنا لا نؤمن إلى غير ذلك ، وهنا لا يمكن أن تقدر الجملة بعد هذا التركيب حالا لأنها استفهامية ، والاستفهامية لا تقع حالا . وقوله :
" كيف تحكمون " استفهام آخر ، أي : كيف تحكمون بالباطل وتجعلون لله أندادا وشركاء ؟ .