آ . (61) قوله تعالى :
وما تكون في شأن وما تتلو : " ما " نافية في الموضعين ، ولذلك عطف بإعادة " لا " النافية ، وأوجب بـ " إلا " بعد الأفعال لكونها منفية . و " في شأن " خبر " تكون " والضمير في " منه " عائد على " شأن " و
" من قرآن " تفسير للضمير ، وخص من العموم ، لأن القرآن هو أعظم شؤونه صلى الله عليه وسلم . وقيل : يعود على التنزيل ، وفسر بالقرآن لأن كل جزء منه قرآن ، وإنما أضمر قبل الذكر تعظيما له . وقيل : يعود على الله ، أي : وما تتلو من عند الله من قرآن . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : " من الشأن " ، أي : من أجله ، و " من قرآن " مفعول " تتلو " و " من " زائدة " . يعني أنها زيدت في المفعول به ، و " من " الأولى جارة للمفعول من أجله ، تقديره : وما تتلو من أجل الشأن قرآنا ، وزيدت لأن الكلام غير موجب والمجرور نكرة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي : " منه " الهاء عند
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء تعود على الشأن على تقدير حذف مضاف تقديره : وما تتلو من أجل الشأن ، أي : يحدث لك شأن فتتلو القرآن من أجله " .
والشأن مصدر شأن يشأن شأنه ، أي : قصد يقصد قصده ، وأصله الهمز ، ويجوز تخفيفه . والشأن أيضا الأمر ، ويجمع على شؤون .
[ ص: 229 ] وقوله :
إلا كنا هذه الجملة حالية وهو استثناء مفرغ ، وولي " إلا " هنا الفعل الماضي دون قد لأنه قد تقدمها فعل وهو مجوز لذلك .
وقوله : " إذ " هذا الظرف معمول لـ
" شهودا " ولما كانت الأفعال السابقة المراد بها الحالة الدائمة وتنسحب على الأفعال الماضية كان الظرف ماضيا ، وكان المعنى : وما كنت ، وما تكون ، ولا عملتم ، إلا كنا عليكم شهودا ، إلا أفضتم فيه . و " إذ " تخلص المضارع لمعنى الماضي .
قوله :
وما يعزب قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي هنا وفي سبأ " يعزب " بكسر العين ، والباقون بضمها ، وهما لغتان في مضارع عزب ، يقال : عزب يعزب ويعزب ، أي : غاب حتى خفي ، ومنه الروض العازب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11952أبو تمام :
2604 - وقلقل نأي من خراسان جأشها فقلت اطمئني أنضر الروض عازبه
وقيل للغائب عن أهله : عازب ، حتى قالوا لمن لا زوج له : عازب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : " العازب : المتباعد في طلب الكلأ . ويقال : رجل عزب وامرأة عزبة ، وعزب عنه حلمه ، أي : غاب ، وقوم معزبون ، أي : عزبت عنهم إبلهم ، وفي الحديث :
" من قرأ القرآن في أربعين يوما فقد عزب " ، أي : فقد بعد عهده بالختمة . وقال قريبا منه
الهروي فإنه قال : " أي : بعد عهده بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوته " ، وفي حديث
أم معبد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=938566 " والشاء عازب حيال " ، قال : " والعازب : البعيد الذهاب في المرعى . والحائل : التي ضربها
[ ص: 230 ] الفحل فلم تحمل لجدوبة السنة . وفي الحديث أيضا :
" أصبحنا بأرض عزيبة صحراء " ، أي : بعيدة المرعى . ويقال للمال الغائب : عازب ، وللحاضر عاهن . والمعنى في الآية : وما يبعد أو ما يخفى أو ما يغيب عن ربك .
و
" من مثقال " فاعل ، و " من " مزيدة فيه ، أي : ما يبعد عنه مثقال . والمثقال هنا : اسم لا صفة ، والمعني به الوزن ، أي : وزن ذرة .
قوله :
ولا أصغر من ذلك ولا أكبر قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة برفع راء " أصغر " و " أكبر " ، والباقون بفتحها . فأما الفتح ففيه وجهان ، أحدهما : - وعليه أكثر المعربين - أنه جر ، وإنما كان بالفتحة لأنه لا ينصرف للوزن والوصف ، والجر لأجل عطفه على المجرور وهو : إما " مثقال " ، وإما " ذرة " . وأما الوجه الثاني فهو أن " لا " نافية للجنس ، و " أصغر " و " أكبر " اسمها ، فهما مبنيان على الفتح . وأما الرفع فمن وجهين أيضا ، أشهرهما عند المعربين : العطف على محل " مثقال " إذ هو مرفوع بالفاعلية و " من " مزيدة فيه كقولك : " ما قام من رجل ولا امرأة " بجر " امرأة " ورفعها . والثاني : أنه مبتدأ ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " والوجه النصب على نفي الجنس ، والرفع على الابتداء ليكون كلاما برأسه ، وفي العطف على محل
" مثقال ذرة " ، أو على لفظ " مثقال ذرة فتحا في موضع الجر لامتناع الصرف إشكال ؛ لأن قولك : " لا يعزب عنه شيء إلا في كتاب مشكل " انتهى . وهذان الوجهان اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، وإنما كان هذا مشكلا عنده لأنه يصير التقدير : إلا في كتاب مبين فيعزب ، وهو كلام لا يصح . وقد يزول هذا الإشكال بما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : وهو أن يكون
إلا في كتاب استثناء منقطعا ، قال :
إلا في كتاب ، أي : إلا هو في كتاب ، والاستثناء منقطع " .
[ ص: 231 ] وقال
الإمام فخر الدين بعد حكايته الإشكال المتقدم : " أجاب بعض المحققين من وجهين ، أحدهما : أن الاستثناء منقطع ، والآخر : أن العزوب عبارة عن مطلق البعد ، والمخلوقات قسمان ، قسم أوجده الله ابتداء من غير واسطة كالملائكة والسماوات والأرض ، وقسم أوجده بواسطة القسم الأول مثل الحوادث الحادثة في عالم الكون والفساد ، وهذا قد يتباعد في سلسلة العلية والمعلولية عن مرتبة وجود واجب الوجود ، فالمعنى : لا يبعد عن مرتبة وجوده مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين ، كتبه الله وأثبت فيه صور تلك المعلومات " .
قلت : فقد آل الأمر إلى أنه جعله استثناء مفرغا ، وهو حال من " أصغر " و " أكبر " ، وهو في قوة الاستثناء المتصل ، ولا يقال في هذا : إنه متصل ولا منقطع ، إذ المفرغ لا يقال فيه ذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13990الجرجاني : " إلا " بمعنى الواو ، أي : وهو في كتاب مبين ،
والعرب تضع " إلا " موضع واو النسق كقوله :
إلا من ظلم إلا الذين ظلموا منهم . وهذا الذي قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13990الجرجاني ضعيف جدا ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في البقرة ، وأنه شيء قال به
nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش ، ولم يثبت ذلك بدليل صحيح . وقال
الشيخ أبو شامة : " ويزيل الإشكال أن تقدر قبل قوله :
إلا في كتاب " ليس شيء من ذلك إلا في كتاب " وكذا تقدر في آية الأنعام .
ولم يقرأ في سبأ إلا بالرفع ، وهو يقوي قول من يقول إنه معطوف
[ ص: 232 ] على " مثقال " ويبينه أن " مثقال " فيها بالرفع ، إذ ليس قبله حرف جر . وقد تقدم الكلام على نظير هذه المسألة والإشكال فيها في سورة الأنعام في قوله :
وما تسقط من ورقة ، إلى قوله :
إلا في كتاب مبين ، وأن صاحب " النظم "
nindex.php?page=showalam&ids=13990الجرجاني هذا أحال الكلام فيها على الكلام في هذه السورة ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبا البقاء قال : " لو جعلناه كذا لفسد المعنى " ، وقد بينت تقرير فساده والجواب عنه في كلام طويل هناك فعليك باعتباره ونقل ما يمكن نقله إلى هنا .