آ . (4) قوله تعالى :
إذ قال : في العامل فيه أوجه ، أظهرها : أنه منصوب بـ
قال يا بني ، أي : قال
يعقوب : يا بني ، وقت قول
يوسف له كيت وكيت ، وهذا أسهل الوجوه ، إذ فيه إبقاء " إذ " على كونه ظرفا ماضيا . وقيل : الناصب له
" الغافلين " قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي . وقيل : هو منصوب بـ " نقص " ، أي : نقص عليك وقت قوله كيت وكيت ، وهذا فيه إخراج " إذ " عن المضي وعن الظرفية ، وإن قدرت المفعول محذوفا ، أي : نقص عليك الحال وقت قوله ، لزم إخراجها عن المضي . وقيل : هو منصوب بمضمر ، أي : اذكر . وقيل : هو منصوب على أنه بدل من " أحسن القصص " بدل اشتمال . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " لأن الوقت يشتمل على القصص وهو المقصوص " .
قوله :
يا أبت قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر بفتح التاء ، والباقون بكسرها . وهذه التاء عوض من ياء المتكلم ، ولذلك لا يجوز الجمع بينهما إلا ضرورة ، وهذا يختص بلفظتين . يا أبت ، ويا أمت ولا يجوز في غيرهما من الأسماء لو قلت : " يا صاحبت " لم يجز البتة ، كما اختصت لفظة الأم والعم بحكم في نحو " يا بن أم " . ويجوز الجمع بين هذه التاء وبين كل من الياء والألف ضرورة
[ ص: 432 ] كقوله :
2734 - يا أبتا علك أو عساكا ... ... ... ...
وقول الآخر :
2735 - أيا أبتا لا تزل عندنا فإنا نخاف بأن نخترم
وقول الآخر :
2736 - أيا أبتي لا زلت فينا فإنما لنا أمل في العيش ما دمت عائشا
وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري يؤذن بأن الجمع بين التاء والألف ليس ضرورة فإنه قال : " فإن قلت : فما هذه الكسرة ؟ قلت : هي الكسرة التي كانت قبل الياء في قولك " يا أبي " فزحلقت إلى التاء لاقتضاء تاء التأنيث أن يكون ما قبلها مفتوحا . فإن قلت : فما بال الكسرة لم تسقط بالفتحة التي اقتضتها التاء ، وتبقى التاء ساكنة ؟ قلت : امتنع ذلك فيها لأنها اسم ، والأسماء حقها التحريك لأصالتها في الإعراب ، وإنما جاز تسكين الياء وأصلها أن تحرك تخفيفا لأنها حرف لين ، وأما التاء فحرف صحيح نحو كاف الضمير ، فلزم تحريكها . فإن قلت : يشبه الجمع بين هذه التاء وبين هذه الكسرة الجمع بين العوض والمعوض منه ؛ لأنها في حكم الياء إذا قلت : يا غلام ، فكما لا يجوز " يا أبتي " لا يجوز " يا أبت " . قلت : الياء والكسرة قبلها شيئان ، والتاء
[ ص: 433 ] عوض من أحد الشيئين وهو الياء ، والكسرة غير متعرض لها ، فلا يجمع بين العوض والمعوض منه ، إلا إذا جمع بين التاء والياء لا غير . ألا ترى إلى قولهم : " يا أبتا " مع كون الألف فيه بدلا من الياء كيف جاز الجمع بينها وبين التاء ، ولم يعد ذلك جمعا بين العوض والمعوض منه ؟ فالكسرة أبعد من ذلك .
فإن قلت : قد دلت الكسرة في " يا غلام " على الإضافة لأنها قرينة الياء ولصيقتها ، فإن دلت على مثل ذلك في " يا أبت " فالتاء المعوضة لغو ، وجودها كعدمها . قلت : بل حالها مع التاء كحالها مع الياء إذا قلت : يا أبي " .
وكذا عبارة الشيخ فإنه قال : " وهذه التاء عوض من ياء الإضافة فلا تجتمعان ، وتجامع الألف التي هي بدل من الياء قال :
2737 - يا أبتا علك أو عساكا ... ... ... ...
وفيه نظر من حيث إن الألف كالياء لكونها بدلا منها ، فينبغي أن لا يجمع بينهما .
وهذه التاء أصلها للتأنيث قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " فإن قلت : ما هذه التاء ؟ قلت : تاء تأنيث وقعت عوضا من ياء الإضافة ، والدليل على أنها تاء تأنيث قلبها هاء في الوقف " . قلت : وما ذكره من كونها تقلب هاء في الوقف قرأ به
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ، والباقون وقفوا عليها بالتاء ، كأنهم أجروها مجرى تاء الإلحاق في بنت وأخت ، وممن نص على كونها للتأنيث
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه فإنه قال : " سألت
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل عن التاء في " يا أبت " فقال : " هي بمنزلة التاء في تاء خالة
[ ص: 434 ] وعمة " يعني أنها للتأنيث ، ويدل على كونها للتأنيث أيضا كتبهم إياها هاء ، وقياس من وقف بالتاء أن يكتبها تاء كبنت وأخت .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " فإن قلت : كيف جاز إلحاق تاء التأنيث بالمذكر ؟ قلت : كما جاز نحو قولك : حمامة ذكر وشاة ذكر ورجل ربعة وغلام يفعة " . قلت : يعني أنها جيء بها لمجرد تأنيث اللفظ كما في الألفاظ المستشهد بها . ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " فإن قلت : فلم ساغ تعويض تاء التأنيث من ياء الإضافة ؟ قلت : لأن التأنيث والإضافة يتناسبان في أن كل واحد منهما زيادة مضمومة إلى الاسم في آخره " . قلت : وهذا قياس بعيد لا يعمل به عند الحذاق ، فإنه يسمى الشبه الطردي ، يعني أنه شبه في الصورة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " إنه قرئ " يا أبت " بالحركات الثلاث " . فأما الفتح والكسر فقد عزيتهما لقارئهما ، وأما الضم فغريب جدا ، وهو يشبه من يبني المنادى المضاف لياء المتكلم على الضم كقراءة من قرأ وستأتي إن شاء الله
قال رب احكم بضم الباء ، ويأتي توجيهها هناك ، ولم قلنا إنه مضاف للياء ولم نجعله مفردا من غير إضافة ؟ .
وقد تقدم توجيه كسر هذه التاء بما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من كونها هي الكسرة التي قبل الياء زحلقت إلى التاء . وهذا أحد المذهبين ، والمذهب
[ ص: 435 ] الآخر : أنها كسرة أجنبية جيء بها لتدل على الياء المعوض منها ، وليس بخلاف طائل .
وأما الفتح ففيه أربعة أوجه ، ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12095الفارسي منها وجهين ، أحدهما : أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف ، يعني عن الألف المنقلبة عن الياء ، كما اجتزأ عنها الآخر بقوله :
2738 - ولست براجع ما فات مني بلهف ولا بليت ولا لوني
وكما اجترئ بها عنها في يا بن أم ، ويا بن عم كما تقدم . والثاني : أنه رخم بحذف التاء ، ثم أقحمت التاء مفتوحة ، وهذا كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة :
2739 - كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
بفتح تاء " أميمة " على ما ذكرت لك .
الثالث : ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد وأبو حاتم وقطرب في أحد قوليه وهو أن الألف في " يا أبتا " للندبة ، ثم حذفها مجتزئا عنها بالفتحة . وهذا قد ينفع في الجواب عن الجمع بين العوض والمعوض منه . وقد رد بعضهم هذا المذهب بأن الموضع ليس موضع ندبة .
الرابع : أن الأصل : يا أبة بالتنوين ، فحذف التنوين لأن النداء باب
[ ص: 436 ] حذف ، وإلى هذا ذهب
قطرب في القول الثاني . وقد رد هذا عليه بأن التنوين لا يحذف من المنادى المنصوب نحو : " يا ضاربا رجلا " .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر " يا أبي " بالياء ، ولم يعوض منها التاء .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وطلحة بن سليمان : " أحد عشر " بسكون العين ، كأنهم قصدوا التنبيه بهذا التخفيف على أن الاسمين جعلا اسما واحدا .
وقوله :
والشمس والقمر يجوز فيه وجهان ، أحدهما : أن تكون الواو عاطفة ، وحينئذ يحتمل أن يكون ذلك من باب ذكر الخاص بعد العام تفصيلا ؛ لأن الشمس والقمر دخلا في قوله
أحد عشر كوكبا فهو كقوله :
وجبريل وميكال بعد قوله :
" وملائكته " ، ويحتمل أن لا يكون كذلك ، وتكون الواو لعطف المغاير ، فيكون قد رأى الشمس والقمر زيادة على الأحد عشر بخلاف الأول ، فإنه يكون رأى الأحد عشر ، ومن جملتها الشمس والقمر ، والاحتمالان منقولان عن أهل التفسير ، وممن نقلهما
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
والوجه الثاني : أن تكون الواو بمعنى مع ، إلا أنه مرجوح ، لأنه متى أمكن العطف من غير ضعف ولا إخلال معنى رجح على المعية ، وعلى هذا فيكون كالوجه الذي قبله بمعنى أنه رأى الشمس والقمر زيادة على الأحد عشر كوكبا .
وقوله :
رأيتهم لي ساجدين يحتمل وجهين ، أحدهما : أنها جملة كررت للتوكيد لما طال الفصل بالمفاعيل كررت كما كررت " أنكم " في قوله :
[ ص: 437 ] أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون كذا قاله الشيخ ، وسيأتي تحقيق هذا إن شاء الله تعالى . والثاني : أنه ليس بتأكيد ، وإليه نحا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإنه قال : " فإن قلت : ما معنى تكرار " رأيتهم " ؟ قلت : ليس بتكرار ، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابا له ، كأن
يعقوب عليه السلام قال له عند قوله :
إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر كيف رأيتها ؟ سائلا عن حال رؤيتها ، فقال : رأيتهم لي ساجدين " .
قلت : وهذا أظهر لأنه متى دار الكلام بين الحمل على التأكيد أو التأسيس فحمله على الثاني أولى .
و
" ساجدين " صفة جمع جمع العقلاء . فقيل : لأنه لما عاملهم معاملة العقلاء في إسناد فعلهم إليهم جمعهم جمعهم ، والشيء قد يعامل معاملة شيء آخر إذا شاركه في صفة ما .
والرؤية هنا منامية ، وقد تقدم أنها تنصب مفعولين كالعلمية ، وعلى هذا يكون قد حذف المفعول الثاني من قوله
رأيت أحد عشر كوكبا ولكن حذفه اقتصارا ممتنع ، فلم يبق إلا اختصارا ، وهو قليل أو ممتنع عند بعضهم .