آ . (24) قوله تعالى :
لولا أن رأى : جواب لولا : إما متقدم عليها وهو قوله :
" وهم بها " عند من يجيز تقديم جواب أدوات الشرط عليها ،
[ ص: 467 ] وإما محذوف لدلالة هذا عليه عند من لا يرى ذلك ، وقد تقدم تقرير المذهبين ومن عزيا إليه غير مرة كقولهم : " أنت ظالم إن فعلت " ، أي : إن فعلت فأنت ظالم ، ولا تقول : إن " أنت ظالم " هو الجواب بل دال عليه ، وعلى هذا فالوقف عند قوله :
" برهان ربه " والمعنى : لولا رؤيته برهان ربه لهم بها لكنه امتنع همه بها لوجود رؤية برهان ربه ، فلم يحصل منه هم البتة كقولك : " لولا زيد لأكرمتك " فالمعنى أن الإكرام ممتنع لوجود زيد ، بهذا يتخلص من الإشكال الذي يورد وهو : كيف يليق بنبي أن يهم بامرأة ؟ .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : قوله
" وهم بها " داخل تحت القسم في قوله :
ولقد همت به أم خارج عنه ؟ قلت : الأمران جائزان ، ومن حق القارئ إذا قصد خروجه من حكم القسم وجعله كلاما برأسه أن يقف على قوله :
ولقد همت به ويبتدئ قوله :
وهم بها لولا أن رأى برهان ربه وفيه أيضا إشعار بالفرق بين الهمين . فإن قلت : لم جعلت جواب " لولا " محذوفا يدل عليه " وهم بها " وهلا جعلته هو الجواب مقدما . قلت . لأن " لولا " لا يتقدم عليها جوابها من قبل أنه في حكم الشرط ، وللشرط صدر الكلام وهو [مع] ما في حيزه من الجملتين مثل كلمة واحدة ، ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض ، وأما حذف بعضها إذا دل عليه الدليل فهو جائز " .
قلت : قوله " وأما حذف بعضها " إلى آخره جواب عن سؤال مقدر وهو : فإذا كان جواب الشرط مع الجملتين بمنزلة كلمة فينبغي أن لا يحذف منهما شيء ، لأن الكلمة لا يحذف منها شيء . فأجاب بأنه يجوز إذا دل دليل على ذلك . وهو كما قال .
[ ص: 468 ] ثم قال : " فإن قلت : لم جعلت " لولا " متعلقة بـ " هم بها " وحده ، ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله :
ولقد همت به وهم بها ؟ لأن الهم لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني ، فلا بد من تقدير المخالطة ، والمخالطة لا تكون إلا بين اثنين معا ، فكأنه قيل : ولقد هما بالمخالطة لولا أن منع مانع أحدهما . قلت : نعم ما قلت ، ولكن الله سبحانه قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال :
ولقد همت به وهم بها .
قلت :
nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج لم يرتض هذه المقالة ، أعني كون قوله : " لولا " متعلقة بـ " هم بها " فإنه قال : " ولو كان الكلام " ولهم بها " لكان بعيدا ، فكيف مع سقوط اللام " ؟ يعني
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أنه لا جائز أن يكون " وهم بها " جوابا لـ " لولا " ؛ لأنه لو كان جوابها لاقترن باللام لأنه مثبت ، وعلى تقدير أنه كان مقترنا باللام كان يبعد من جهة أخرى وهي تقديم الجواب عليها .
وجواب ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ما قدمته عن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من أن الجواب محذوف مدلول عليه بما تقدم . وأما قوله : " ولو كان الكلام " ولهم بها " فغير لازم " ؛ لأنه متى كان جواب " لو " و " لولا " مثبتا جاز فيه الأمران : اللام وعدمها ، وإن كان الإتيان باللام هو الأكثر .
وتابع
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أيضا في هذا المعنى فقال : " قول من قال : إن الكلام قد تم في قوله :
ولقد همت به وإن جواب " لولا " في قوله :
" وهم بها " ، وإن المعنى : لولا أن رأى البرهان لهم بها ، فلم يهم
يوسف عليه السلام " قال : " وهذا قول يرده لسان
العرب وأقوال السلف " أما قوله : " يرده لسان
العرب " فليس كذا ؛ لأن وزان هذه الآية وزان قوله :
إن كادت لتبدي به [ ص: 469 ] لولا أن ربطنا على قلبها فقوله إن كادت : إما أن يكون جوابا عند من يرى ذلك ، وإما أن يكون دالا على الجواب ، وليس فيه خروج عن كلام
العرب . هذا معنى ما رد به عليه الشيخ . قلت : وكأن
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية إنما يعني بالخروج عن لسان
العرب تجرد الجواب من اللام على تقدير جواز تقديمه ، والغرض أن اللام لم توجد .
قوله :
كذلك لنصرف في هذه الكاف أوجه أحدها : أنها في محل نصب ، فقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " مثل ذلك التثبيت ثبتناه " . وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي : " أريناه البراهين بذلك " وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية : " جرت أفعالنا وأقدارنا كذلك لنصرف " ، وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء " نراعيه كذلك " .
الثاني : أن الكاف في محل رفع ، فقدره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري nindex.php?page=showalam&ids=14803وأبو البقاء : " الأمر مثل ذلك " . وقدره
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية " عصمته كذلك " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي : " أمر البراهين كذلك " ، ثم قال : " والنصب أجود لمطالبة حروف الجر للأفعال أو معانيها " .
الثالث : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : همت به وهم بها كذلك ، ثم قال : " لولا أن رأى برهان ربه لنصرف عنه ما هم بها " هذا نص
[ ص: 470 ] nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية . وليس بشيء ، إذ مع تسليم جواز التقديم والتأخير لا معنى لما ذكره .
وقال الشيخ : " وأقول إن التقدير : مثل تلك الرؤية أو مثل ذلك الرأي نري براهيننا لنصرف عنه ، فتجعل الإشارة إلى الرأي أو الرؤية ، والناصب للكاف مما دل عليه قوله :
لولا أن رأى برهان ربه ولنصرف متعلق بذلك الفعل الناصب للكاف .
ومصدر " رأى " رؤية ورأي . قال :
2765 - ورأي عيني الفتى أباكا يعطي الجزيل فعليك ذاكا "
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش " ليصرف " بياء الغيبة ، والفاعل هو الله تعالى .
قوله :
المخلصين قرأ هذه اللفظة حيث وردت إذا كانت معرفة بـ أل مكسورة اللام
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ، والباقون بفتحها ، فالكسر على اسم الفاعل ، والمفعول محذوف تقديره : المخلصين أنفسهم أو دينهم ، والفتح على أنه اسم مفعول من أخلصهم الله ، أي : اجتباهم واختارهم ، أو أخلصهم من كل سوء .
وقرأ الكوفيون في مريم
إنه كان مخلصا بفتح اللام بالمعنى المتقدم ، والباقون بكسرها بالمعنى المتقدم .