آ. (10) قوله تعالى:
سواء منكم من أسر : في "سواء" وجهان، أحدهما: أنه خبر مقدم، و
من أسر و
ومن جهر هو المبتدأ، وإنما لم يثن الخبر لأنه في الأصل مصدر، وهو هنا بمعنى مستو، وقد تقدم الكلام فيه أول هذا الموضوع، و
"منكم" على هذا حال من الضمير المستتر في "سواء" لأنه بمعنى "مستو". قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: "ويضعف أن يكون حالا من الضمير في "أسر" أو "جهر" لوجهين، أحدهما: تقديم ما في الصلة على الموصول أو الصفة على الموصوف، والثاني: تقديم الخبر على "منكم"،
[ ص: 24 ] وحقه أن يقع بعده. قلت: [قوله] "وحقه أن يقع بعده"، يعني بعده وبعد المبتدأ، وإلا يصر كلامه لا معنى له.
والثاني: أنه مبتدأ، وجاز الابتداء به لوصفه بقوله "منكم" وأعرب سيبويه "سواء عليه الخير والشر" كذلك. وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية أن سيبويه ضعف ذلك بأنه ابتداء بنكرة، غلط عليه.
قوله:
وسارب بالنهار فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون معطوفا على
"مستخف"، ويراد بـ "من" حينئذ اثنان، وحمل المبتدأ الذي هو لفظة "هو" على لفظها فأفرده، والخبر على معناها فثناه. الوجه الثاني: أن يكون عطفا على
ومن هو مستخف لا على مستخف وحده. ويرجح هذين الوجهين ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . قال رحمه الله: "فإن قلت: كان حق العبارة أن يقال: "ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار"; حتى يتناول معنى الاستواء المستخفي والسارب، وإلا فقد تناول واحدا هو مستخف وسارب. قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن قوله "وسارب" عطف على
ومن هو مستخف لا على "مستخف". والثاني: أنه عطف على "مستخف"، إلا أن "من" في معنى الاثنين، كقوله:
2843 - ... ... ... ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
كأنه قيل: سواء منكم اثنان:
مستخف بالليل وسارب بالنهار .
[ ص: 25 ] قلت: وفي عبارته بقوله: "كان حق العبارة كذا" سوء أدب. وقوله: كقوله: "نكن مثل من" يشير إلى البيت المشهور في قصة بعضهم مع ذئب يخاطبه:
تعش فإن عاهدتني ولا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
وليس في البيت حمل على اللفظ والمعنى، إنما فيه حمل على المعنى فقط، وهو مقصوده. وقوله: "وإلا فقد تناول واحدا هو مستخف وسارب"، لو قال بهذا قائل لأصاب الصواب، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، ذهبا إلى أن المتسخفي والسارب شخص واحد، يستخفي بالليل ويسرب بالنهار ليرى تصرفه في الناس.
الثالث: أن يكون على حذف "من" الموصولة، أي: ومن هو سارب، وهذا إنما يتمشى عند الكوفيين، فإنهم يجيزون حذف الموصول، وقد تقدم استدلالهم ذلك.
والسارب: اسم فاعل من سرب يسرب، أي: تصرف كيف شاء. قال:
2844 - أنى سربت وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب
وقال آخر:
2845 - وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب
[ ص: 26 ] أي: متصرف كيف توجه، لا يدفعه أحد عن مرعى، يصف قومه بالمنعة والقوة.