آ. (18) قوله تعالى:
مثل الذين كفروا : فيه أوجه، أحدها: وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره: فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا، وتكون الجملة من قوله:
أعمالهم كرماد مستأنفة جوابا
[ ص: 82 ] لسؤال مقدر، كأنه قيل: كيف مثلهم؟ فقيل: كيت وكيت. والمثل استعارة للصفة التي فيها غرابة كقولك، صفة زيد، عرضه مصون، وماله مبذول.
الثاني: أن يكون
"مثل" مبتدأ، و
"أعمالهم" مبتدأ ثان، و
"كرماد" خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول. قال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية: "وهذا عندي أرجح الأقوال، وكأنك قلت: المتحصل في النفس مثالا للذين كفروا هذه الجملة المذكورة". وإليه نحا
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي. قال الشيخ: "وهو لا يجوز لأن الجملة التي وقعت خبرا للمبتدأ لا رابط فيها يربطها بالمبتدأ، وليست نفس المبتدأ فتستغني عن رابط". قلت: بل الجملة نفس المبتدأ، فإن نفس مثلهم هو نفس أعمالهم كرماد في أن كلا منها لا يفيد شيئا، ولا يبقى له أثر، فهو نظير قولك: "هجيرى أبي بكر لا إله إلا الله".
الثالث: أن
"مثل" مزيدة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء: أي: الذين كفروا أعمالهم كرماد، فالذين مبتدأ
"أعمالهم" مبتدأ ثان و
"كرماد" خبره. وزيادة الأسماء ممنوعة.
الرابع: أن يكون
"مثل" مبتدأ، و
"أعمالهم" بدل منه، على تقدير: مثل أعمالهم، و
"كرماد" الخبر. قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وعلى هذا فهو بدل كل من كل، على حذف المضاف كما تقدم.
الخامس: أن يكون
"مثل" مبتدأ، و
"أعمالهم" بدل منه بدل اشتمال،
[ ص: 83 ] و
"كرماد" الخبر، كقول
الزباء: 2874 - ما للجمال مشيها وئيدا أجندلا يحملن أم حديدا
والسادس: أن يكون
"مثل" مبتدأ، و
"أعمالهم" خبره، أي: مثل أعمالهم، فحذف المضاف. و
"كرماد" على هذا خبر مبتدأ محذوف، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء حين ذكر وجه البدل: "ولو كان في غير القرآن لجاز إبدال
"أعمالهم" من "الذين" وهو بدل اشتمال"، يعني أنه كان يقرأ: "أعمالهم" مجرورة، لكنه لم يقرأ به.
و "الرماد" معروف وهو ما سحقته النار من الأجرام، وجمعه في الكثرة على رمد، وفي القلة على أرمدة كجماد وجمد وأجمدة، وجمعه على "أرمداء" شاذ. والرماد: السنة أيضا، السنة: المحل، أرمد الماء، أي: صار بلون الرماد، والأرمد: ما كان على لون الرماد. وقيل للبعوض "رمد" لذلك، ويقال: رماد رمدد، أي: صار هباء.
قوله:
اشتدت به الريح في محل جر صفة لرماد، و
"في يوم" متعلق بـ
"اشتدت".
قوله:
"عاصف" فيه أوجه، أحدها: أنه على تقدير: عاصف ريحه، أو عاصف الريح، ثم حذف "الريح" وجعلت الصفة لليوم مجازا كقولهم: "يوم ماطر" و "ليل نائم". قال
الهروي: فحذفت لتقدم ذكرها، كما قال:
[ ص: 84 ] 2875 - إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف ... ... ... ...
أي: كاسف الشمس.
الثاني: أنه على النسب، أي: ذي عصوف كلابن وتامر.
الثالث: أنه خفض على الجوار، أي: كان الأصل أن يتبع العاصف الريح في الإعراب فيقال: اشتدت به الريح العاصف في يوم، فلما وقع بعد اليوم أعرب بإعرابه، كقولهم: "جحر ضب خرب". وفي جعل هذا من باب الخفض على الجوار نظر، لأن من شرطه: أن يكون بحيث لو جعل صفة لما قطع عن إعرابه لصح كالمثال المذكور، وهنا لو جعلته صفة للريح لم يصح لتخالفهما تعريفا وتنكيرا في هذا التركيب الخاص.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وابن أبي إسحاق بإضافة "يوم" لـ "عاصف". وهي على حذف الموصوف، أي: في يوم ريح عاصف، فحذف لفهم المعنى الدال على ذلك. ويجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته عند من يرى ذلك نحو: بقلة الحمقاء.
ويقال: ريح عاصف ومعصف، وأصله من العصف، وهو ما يكسر من الزرع فقيل ذلك للريح الشديدة لأنها تعصف، أي: تكسر ما تمر عليه.
قوله:
لا يقدرون مستأنف، ويضعف أن يكون صفة ليوم على حذف العائد، أي: لا يقدرون فيه، و
"مما كسبوا" متعلق بمحذوف، لأنه حال من
"شيء" إذ لو تأخر لكان صفة. والتقدير: على شيء مما كسبوا.