آ. (2) قوله تعالى:
ربما " رب " : فيها قولان، أحدهما: أنها حرف جر، وزعم الكوفيون
وأبو الحسن وابن الطراوة أنها اسم. ومعناها التقليل على المشهور. وقيل: تفيد التكثير. وقيل: تفيد التكثير في مواضع الافتخار كقوله:
2922 - فيا رب يوم قد لهوت وليلة بآنسة كأنها خط تمثال
[ ص: 138 ] وقد أجيب عن ذلك: بأنها لتقليل النظير. ودلائل هذه الأقوال في النحو. وفيها لغات كثيرة أشهرها: "رب" بالضم والتشديد، أو التخفيف، وبالثانية قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم. و "رب" بالفتح مع التشديد والتخفيف، ورب ورب بالضم والفتح مع السكون فيهما. وتتصل تاء التأنيث بكل ذلك، وبالتاء قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي: ربتما. وإذا اتصلت بها التاء جاز فيها الإسكان والفتح كثمت ولات، فتكثر الألفاظ، ولها أحكام كثيرة منها: لزوم تصديرها، ومنها تنكير مجرورها، وقوله:
2923 - ربما الجامل المؤبل فيهم وعناجيج بينهن المهارى
ضرورة في رواية من جر "الجامل". وتجر ضميرا لازم التفسير بنكرة بعده، يستغنى بتثنيتها وجمعها وتأنيثها عن تثنية الضمير وجمعه وتأنيثه كقوله:
2924 - ... ... ... ... وربه عطبا أنقذت من عطبه
[ ص: 139 ] والمطابقة نحو: "ربهما رجلين" نادرة. وقد يعطف على مجرورها ما أضيف إلى ضميره نحو: "رب رجل وأخيه". وهل يلزم وصف مجرورها، ومضي ما يتعلق به؟ خلاف، والصحيح عدم ذلك. فمن مجيئه غير موصوف قول
هند: 2925 - يا رب قائلة غدا يا لهف أم معاويه
ومن مجيء المستقبل قوله:
2926 - فإن أهلك فرب فتى سيبكي علي مهذب رخص البنان
وقولها: "يا رب قائلة غدا" البيت، وقول
سليم: 2927 - ومعتصم بالحي من خشية الردى سيردى وغاز مشفق سيؤوب
فإن حرف التنفيس و "غدا" خلصاه للاستقبال.
و "ما" في "ربما" تحتمل وجهين، أظهرهما: أنها المهيئة، بمعنى: أن "رب" مختصة بالأسماء، فلما جاءت "ما" هيأت دخولها على الأفعال. وقد تقدم نظير ذلك في "إن" وأخواتها، وتكفها أيضا عن العمل كقوله:
2928 - ربما الجامل المؤبل ... ... ... ...
في رواية من رفعه، كما جرى ذلك في كاف التشبيه. والثاني: أن
[ ص: 140 ] "ما" نكرة موصوفة بالجملة الواقعة بعدها، والعائد على "ما" محذوف، تقديره: رب شيء يوده الذين كفروا.
وقوله:
يود الذين كفروا من لم يلتزم مضي متعلقها لم يحتج إلى تأويل، ومن التزم ذلك قال: لأن المترقب في أخبار الله تعالى واقع لا محالة، فعبر عنه بالماضي تحقيقا لوقوعه، كقوله:
أتى أمر الله ونحوه.
قوله:
لو كانوا يجوز في "لو" أن تكون الامتناعية، وحينئذ يكون جوابها محذوفا. تقديره: لو كانوا مسلمين لسروا بذلك، أو لخلصوا مما هم فيه. ومفعول "يود" محذوف على هذا التقدير: أي: ربما يود الذين كفروا النجاة، دل عليه الجملة الامتناعية.
والثاني: أنها مصدرية عند من يرى ذلك كما تقدم تقريره في البقرة. وحينئذ يكون هذا المصدر هو المفعول للودادة، أي: يودون كونهم مسلمين، إن جعلنا "ما" كافة، وإن جعلناها نكرة كانت "لو" وما في حيزها بدلا من "ما".