آ. (16) قوله تعالى:
وإذ اعتزلتموهم : "إذ" منصوب بمحذوف، أي: وقال بعضهم لبعض وقت اعتزالهم. وجوز بعضهم أن تكون "إذ" للتعليل، أي: فأووا إلى الكهف لاعتزالكم إياهم، وهو قول مقول لكنه لا يصح.
قوله:
وما يعبدون يجوز في "ما" ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكون بمعنى الذي، والعائد مقدر، أي: واعتزلتم الذي يعبدونه. و
"إلا الله" يجوز فيه أن يكون استثناء متصلا، فقد روي أنهم كانوا يعبدون الله ويشركون به غيره، ومنقطعا، فقد روي أنهم كانوا يعبدون الأصنام فقط. والمستثنى منه يجوز أن يكون الموصول، وأن يكون عائده، والمعنى واحد.
والثاني: أنها مصدرية، أي: واعتزلتم عبادتهم، أي: تركتموها. و "إلا الله" على حذف مضاف، أي: إلا عبادة الله. وفي الاستثناء الوجهان المتقدمان.
الثالث: أنها نافية، وأنه من كلام الله تعالى، وعلى هذا فهذه الجملة
[ ص: 455 ] معترضة بين أثناء القصة وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . و
إلا الله استثناء مفرغ أخبر الله عن الفتنة أنهم لا يعبدون غيره. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: "والثالث: أنها حرف نفي فيخرج في الاستثناء وجهان، أحدهما: هو منقطع، والثاني: هو متصل، والمعنى: وإذ اعتزلتموهم إلا الله وما يعبدون إلا الله". قلت: فظاهر هذا الكلام: أن الانقطاع والاتصال في الاستثناء مترتبان على القول بكون "ما" نافية، وليس الأمر كذلك.
قوله:
"مرفقا" قرأ بكسر الميم وفتح الفاء الجمهور،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر بالعكس، وفيهما اختلاف بين أهل اللغة، فقيل: هما بمعنى واحد وهو ما يرتفق به، وليس بمصدر. وقيل: هو بالكسر في الميم لليد، وبالفتح للأمر، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13696الأزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب. وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء جمعا بين اللغتين في الجارحة:
3131 - بت أجافي مرفقا عن مرفق
وقيل: يستعملان معا في الأمر وفي الجارحة، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج. [ ص: 456 ] وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أنه قال: "لا أعرف في الأمر ولا في اليد ولا في كل شيء إلا كسر الميم".
قلت: وتواتر قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع والشاميين يرد عليه. وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي كسر الميم في الجارحة، وقال: لا أعرف فيه إلا الفتح وهو عكس قول تلميذه، ولكن خالفه
nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم، وقال: "هو بفتح الميم: الموضع كالمسجد. وقال
أبو زيد: هو بفتح الميم مصدر جاء على مفعل"، وقال بعضهم: هما لغتان فيما يرتفق به، فأما الجارحة فبكسر الميم فقط. وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أنه قال: "أهل
الحجاز يقولون: "مرفقا" بفتح الميم وكسر الفاء فيما ارتفقت به، ويكسرون مرفق الإنسان، والعرب بعد يكسرون الميم منهما جميعا". وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ فتح الميم والفاء، وهو مصدر كالمضرب والمقتل.
و
من أمركم متعلق بالفعل قبله، و "من" لابتداء الغاية أو للتبعيض. وقيل: هي بمعنى بدل، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري وأنشد:
3132 - فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان
أي: بدلا. ويجوز أن يكون حالا من "مرفقا" فيتعلق بمحذوف.