آ. (205) قوله تعالى:
وإذا تولى سعى : "سعى" جواب إذا الشرطية وهذه الجملة الشرطية تحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون عطفا على ما قبلها وهو "يعجبك" فتكون: إما صلة أو صفة حسب ما تقدم في "من"، والثاني أن تكون مستأنفة لمجرد الإخبار بحاله، وقد تم الكلام عند قوله:
"ألد الخصام".
والتولي والسعي يحتملان الحقيقة أي: تولى ببدنه عنك وسعى بقدميه، والمجاز بأن يريد بالتولي الرجوع عن القول الأول، وبالسعي العمل والكسب من السعاية، وهو مجاز شائع، ومنه:
"وأن ليس للإنسان إلا [ ص: 352 ] ما سعى" وقال
امرؤ القيس: 897 - فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال ولكنما أسعى لمجد مؤثل
وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
وقال آخر:
898 - أسعى على حي بني مالك كل امرئ في شأنه ساعي
والسعاية بالقول ما يقتضي التفريق بين الأخلاء، قال:
899 - ما قلت ما قال وشاة سعوا سعي عدو بيننا يرجف
قوله:
"في الأرض"" متعلق بـ "سعى"، فإن قيل: معلوم أن السعي لا يكون إلا في الأرض قيل: لأنه يفيد العموم، كأنه قيل: أي مكان حل فيه من الأرض أفسد فيه، فيدل لفظ الأرض على كثرة فساده، إذ يلزم من عموم الظرف عموم المظروف، و "ليفسد" متعلق بـ "سعى" علة له.
قوله:
"ويهلك الحرث" الجمهور على: "يهلك" بضم الياء وكسر اللام ونصب الكاف. "الحرث" مفعول به، وهي قراءة واضحة من: أهلك يهلك، والنصب عطف على الفعل قبله، وهذا شبيه بقوله تعالى:
"وملائكته ورسله وجبريل" فإن قوله: "ليفسد" يشتمل على أنه يهلك الحرث والنسل، فخصهما
[ ص: 353 ] بالذكر لذلك. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي: "وليهلك" بإظهار لام العلة وهي معنى قراءة الجمهور، وقرأ
أبو حيوة - ورويت عن
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبي عمرو - "ويهلك الحرث والنسل" بفتح الياء وكسر اللام من هلك الثلاثي، و "الحرث" فاعل، و "النسل" عطف عليه. وقرأ قوم: "ويهلك الحرث" من أهلك، و "الحرث" مفعول به إلا أنهم رفعوا الكاف. وخرجت على أربعة أوجه: أن تكون عطفا على "يعجبك" أو على "سعى" لأنه في معنى المستقبل، أو على خبر مبتدأ محذوف أي: وهو يهلك، أو على الاستئناف. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: "ويهلك" مبنيا للمفعول، "الحرث" رفعا، وقرأ أيضا: "ويهلك" بفتح الياء واللام ورفع الكاف، "الحرث" رفعا على الفاعلية، وفتح عين المضارع هنا شاذ لفتح عين ماضيه، وليس عينه ولا لامه حرف حلق فهو مثل ركن يركن بالفتح فيهما. و "الحرث" تقدم.
والنسل: مصدر نسل ينسل أي: خرج بسرعة، ومنه: نسل وبر البعير، ونسل ريش الطائر أي: خرج وتطاير، وقيل: النسل الخروج متتابعا، ومنه: "نسال الطائر" ما تتابع سقوطه من ريشه، قال
امرؤ القيس: 900 - وإن تك قد ساءتك مني خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقوله:
"من كل حدب ينسلون" يحتمل المعنيين. و "الحرث والنسل" وإن كانا في الأصل مصدرين فإنهما هنا واقعان موقع المفعول به.