آ. (128) قوله :
أفلم يهد لهم : في فاعل "يهد" أوجه، أحدها: أنه ضمير الباري تعالى. ومعنى يهدي: يبين. ومفعول يهدي محذوف تقديره: أفلم يبين الله لهم العبر وفعله بالأمم المكذبة. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: "وفي فاعله وجهان، أحدهما: ضمير اسم الله تعالى، وعلق "بين" هنا إذا كانت بمعنى اعلم، كما علقه في قوله تعالى:
"وتبين لكم كيف فعلنا بهم". قال
[ ص: 118 ] الشيخ: و "كم" هنا خبرية لا تعلق العامل عنها". وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: "ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول. ويدل عليه القراءة بالنون".
الوجه الثاني: أن الفاعل مضمر يفسره ما دل عليه من الكلام بعده. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي: " كم أهلكنا " قد دل على هلاك القرون. التقدير: أفلم يتبين لهم هلاك من أهلكنا من القرن ومحو آثارهم فيتعظوا بذلك. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: "الفاعل ما دل عليه قوله: "أهلكنا" أي إهلاكنا والجملة مفسرة له".
الوجه الثالث: أن الفاعل نفس الجملة بعده. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: "فاعل "لم يهد" الجملة بعده. يريد: ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه. ونظيره قوله تعالى:
"وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين" أي تركنا عليه هذا الكلام". قال الشيخ: "وكون الجملة فاعل "يهد" هو مذهب كوفي. وأما تشبيهه وتنظيره بقوله:
"وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين" فإن "تركنا" معناه معنى القول، فحكيت به الجملة كأنه قيل: وقلنا عليه وأطلقنا عليه هذا اللفظ، والجملة تحكى بمعنى القول كما تحكى بالقول".
[ ص: 119 ] الوجه الرابع: أنه ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم; لأنه هو المبين لهم بما يوحى إليه من أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية. وهذا الوجه تقدم نقله عن
nindex.php?page=showalam&ids=14423أبي القاسم الزمخشري .
الوجه الخامس: أن الفاعل محذوف، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية نقلا عن غيره: "إن الفاعل مقدر تقديره: الهدى أو الأمر أو النظر والاعتبار" قال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية: "وهذا عندي أحسن التقادير".
قال الشيخ: "وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد، وليس بجيد; إذ فيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين، وتحسينه أن يقال: الفاعل مضمر تقديره: يهد هو أي الهدى"، قلت: ليس في هذا القول أن الفاعل محذوف، بل فيه أنه مقدر، ولفظ "مقدر" كثيرا ما يستعمل في المضمر. وأما مفعول "يهد" ففيه وجهان أحدهما: أنه محذوف. والثاني: أن يكون الجملة من "كم" وما في حيزها; لأنها معلقة له فهي سادة مسد مفعوله.
الوجه السادس: أن الفاعل "كم"، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي وأنكره على قائله; لأن "كم" استفهام لا يعمل فيها ما قبلها. قال الشيخ: "وليست هنا استفهاما بل هي خبرية". واختار الشيخ أن يكون الفاعل ضمير الله تعالى فقال: "وأحسن التخاريج أن يكون الفاعل ضميرا عائدا على الله تعالى فكأنه قال: أفلم يبين الله. ومفعول "يبين" محذوف أي: العبر بإهلاك القرون السابقة. ثم قال: "كم أهلكنا" أي: كثيرا أهلكنا فـ "كم" مفعولة بأهلكنا، والجملة كأنها مفسرة للمفعول المحذوف لـ "يهد".
[ ص: 120 ] قوله:
"من القرون" في محل نصب نعتا لـ "كم" لأنها نكرة. ويضعف جعله حالا من النكرة. ولا يجوز أن يكون تمييزا على قواعد البصريين، و "من" داخلة عليه على حد دخولها على غيره من التمييزات لتعريفه.
وقرأ العامة "يهد" بياء الغيبة. وتقدم الكلام في فاعله. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأبو عبد الرحمن بالنون المؤذنة بالتعظيم، وهي مؤيدة لكون الفاعل في قراءة العامة ضمير الله تعالى.
قوله:
"يمشون" حال من القرون أو من مفعول " أهلكنا " . والضمير على هذين عائد على القرون المهلكة. ومعناه: إنا أهلكناكم وهم في حال أمن ومشي وتقلب في حاجاتهم كقوله: "أخذناهم بغتة" ويجوز أن يكون حالا من الضمير في "لهم". والضمير في " يمشون " على هذا عائد على من عاد عليه الضمير في "لهم"، وهم المشركون المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والعامل فيها "يهد". و [المعنى]: أنكم تمشون في مساكن الأمم السالفة، وتتصرفون في بلادهم، فينبغي أن تعتبروا لئلا يحل بكم ما حل بهم.
وقرأ
ابن السميفع "يمشون" مبنيا للمفعول مضعفا; لأنه لما تعدى بالتضعيف جاز بناؤه للمفعول.