آ. (264) قوله تعالى:
كالذي : "كالذي" الكاف في محل نصب، فقيل: نعتا لمصدر محذوف أي: لا تبطلوها إبطالا كإبطال الذي ينفق رئاء الناس. وقيل: في محل نصب على الحال من ضمير المصدر المقدر كما هو رأي
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه، وقيل: حال من فاعل
"تبطلوا" أي: لا تبطلوها مشبهين الذي ينفق رياء.
و "رئاء" فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه نعت لمصدر محذوف تقديره: إنفاقا رئاء الناس، كذا ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي. والثاني: أنه مفعول من أجله أي: لأجل رئاء الناس، واستكمل شروط النصب. والثالث: أنه في محل حال، أي: ينفق مرائيا.
والمصدر هنا مضاف للمفعول وهو "الناس"، ورئاء مصدر راءى كقاتل قتالا، والأصل: "رئايا" فالهمزة الأولى عين الكلمة، والثانية بدل من ياء هي
[ ص: 586 ] لام الكلمة، لأنها وقعت طرفا بعد ألف زائدة. والمفاعلة في "راءى" على بابها لأن المرائي يري الناس أعماله حتى يروه الثناء عليه والتعظيم له. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة - ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم -: "رياء" بإبدال الهمزة الأولى ياء، وهو قياس تخفيفها لأنها مفتوحة بعد كسرة.
قوله:
"فمثله كمثل" مبتدأ وخبر، ودخلت الفاء، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: "لتربط الجملة بما قبلها" وقد تقدم مثله، والهاء في "فمثله" فيها قولان، أظهرهما: أنها تعود على "الذي ينفق ماله رئاء الناس" لأنه أقرب مذكور. والثاني: أنها تعود على المان المؤذي، كأنه تعالى شبهه بشيئين: بالذي ينفق رئاء وبصفوان عليه تراب، ويكون قد عدل من خطاب إلى غيبة، ومن جمع إلى إفراد.
والصفوان: حجر كبير أملس، وفيه لغتان: أشهرهما سكون الفاء والثانية فتحها، وبها قرأ
ابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري، وهي شاذة، لأن "فعلان" إنما يكون في المصادر نحو: النزوان والغليان، والصفات نحو: رجل طغيان وتيس عدوان، وأما في الأسماء فقليل جدا. واختلف في "صفوان" فقيل: هو جمع مفرده: صفا، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: "وجمع "فعل" على "فعلان" قليل". وقيل: هو اسم جنس، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: "وهو الأجود، ولذلك عاد الضمير عليه مفردا في قوله:
"عليه" وقيل: هو مفرد، واحد صفي قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي، وأنكره
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد. قال: "لأن صفيا جمع صفا نحو: عصي في عصا، وقفي في قفا".
[ ص: 587 ] ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي أيضا أنه قال: "صفوان مفرد، ويجمع على صفوان بالكسر. قال
nindex.php?page=showalam&ids=12940النحاس: "ويجوز أن يكون المكسور الصاد واحدا أيضا، وما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي غير صحيح بل صفوان - يعني بالكسر - جمع لـ صفا كورل وورلان، وأخ وإخوان وكرى وكروان".
و
"عليه تراب" يجوز أن يكون جملة من مبتدأ وخبر، وقعت صفة لصفوان، ويجوز أن يكون "عليه" وحده صفة له، و "تراب" فاعل به، وهو أولى لما تقدم عند قوله
"في كل سنبلة مائة حبة". والتراب معروف، ويقال فيه توراب، ويقال: ترب الرجل: افتقر. ومنه: "أو مسكينا ذا متربة" كأن جلده لصق به لفقره، وأترب: أي استغنى، كأن الهمزة للسلب، أو صار ماله كالتراب.
"فأصابه" عطف على الفعل الذي تعلق به قوله: "عليه" أي: استقر عليه تراب فأصابه. والضمير يعود على الصفوان، وقيل: على التراب. وأما الضمير في "فتركه" فعلى الصفوان فقط. وألف "أصابه" من واو، لأنه من صاب يصوب.
والوابل: المطر الشديد، وبلت السماء تبل، والأرض موبولة، ويقال أيضا: أوبل فهو موبل، فيكون مما اتفق فيه فعل وأفعل، وهو من الصفات الغالبة كالأبطح، فلا يحتاج معه إلى ذكر موصوف. قال
nindex.php?page=showalam&ids=15409النضر بن شميل: [ ص: 588 ] "أول ما يكون المطر رشا ثم طشا، ثم طلا ورذاذا ثم نضحا، وهو قطر بين قطرين، ثم هطلا وتهتانا ثم وابلا وجودا. والوبيل: الوخيم، والوبيلة: حزمة الحطب، ومنه قيل للغليظة: وبيلة على التشبيه بالحزمة.
قوله:
"فتركه صلدا" كقوله:
"وتركهم في ظلمات". والصلد: الأجرد الأملس، ومنه: "صلد جبين الأصلع": برق، والصلد أيضا صفة، يقال: صلد بكسر اللام يصلد بفتحها فهو صلد. [قال]
النقاش: "الصلد بلغة
هذيل". وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11793أبان بن تغلب: "الصلد: اللين من الحجارة" وقال
علي بن عيسى: "هو من الحجارة ما لا خير فيه، وكذلك من الأرضين وغيرها، ومنه: "قدر صلود" أي: بطيئة الغليان".
قوله: "لا
يقدرون" في هذه الجملة قولان، أحدهما: أنها استئنافية فلا موضع لها من الإعراب. والثاني: أنها في محل نصب على الحال من "الذي" في قوله:
"كالذي ينفق"، وإنما جمع الضمير حملا على المعنى، لأن المراد بالذي الجنس، فلذلك جاز الحمل على لفظه مرة في قوله: "ماله" و "لا يؤمن"" فمثله" وعلى معناه أخرى. وصار هذا نظير قوله:
"كمثل الذي استوقد نارا" ثم قال:
"بنورهم وتركهم"، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك. وقد زعم
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية أن مهيع كلام
العرب الحمل على اللفظ أولا ثم المعنى ثانيا، وأن العكس قبيح، وتقدم الكلام معه في ذلك. وقيل: الضمير في "يقدرون" عائد على المخاطبين بقوله:
"يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا" [ ص: 589 ] ويكون من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وفيه بعد. وقيل: يعود على ما يفهم من السياق. أي: لا يقدر المانون ولا المؤذون على شيء من نفع صدقاتهم. وسمى الصدقة كسبا. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: "ولا يجوز أن يكون "ولا يقدرون" حالا من "الذي" لأنه قد فصل بينهما بقوله: "فمثله" وما بعده، ولا يلزم ذلك، لأن هذا الفصل فيه تأكيد وهو كالاعتراض.