آ . (33) قوله :
والذي جاء : بالصدق لفظه مفرد ، ومعناه جمع لأنه أريد به الجنس . وقيل : لأنه قصد به الجزاء ، وما كان كذلك كثر فيه وقوع " الذي " موقع " الذين " ، ولذلك روعي معناه فجمع في قوله :
أولئك هم المتقون كما روعي معنى " من " في قوله : " للكافرين " ; فإن الكافرين ظاهر واقع موقع المضمر ; إذ الأصل : مثوى لهم . وقيل : بل الأصل : والذين جاء بالصدق ، فحذفت النون تخفيفا ، كقوله :
وخضتم كالذي خاضوا . وهذا وهم ; إذ لو قصد ذلك لجاء بعده ضمير الجمع ، فكان يقال : والذي جاؤوا ، كقوله : " كالذي خاضوا " . ويدل عليه أن نون التثنية إذا حذفت عاد الضمير مثنى ، كقوله :
3895 - أبني كليب إن عمي اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا
ولجاء كقوله :
3896 - وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله "والذي جاؤوا بالصدق وصدقوا به" وقد تقدم تحقيق مثل هذه الآية في أوائل البقرة وغيرها . وقيل : " الذي " صفة لموصوف محذوف
[ ص: 428 ] بمعنى الجمع ، تقديره : والفريق أو الفوج ولذلك قال :
أولئك هم المتقون . وقيل : المراد بالذي واحد بعينه وهو
محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن لما كان المراد هو وأتباعه اعتبر ذلك فجمع ، فقال : " أولئك هم " كقوله :
ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وعبارته : " هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد به إياه ومن تبعه ، كما أراد
بموسى إياه وقومه " . وناقشه الشيخ في إيقاع الضمير المنفصل موقع المتصل قال : " وإصلاحه أن يقول : أراده به كما أراده
بموسى وقومه " . قلت : ولا مناقشة ; لأنه مع تقديم " به " و "
بموسى " لغرض من الأغراض استحال اتصال الضمير ، وهذا كما تقدم لك بحث في قوله تعالى :
ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم ، وقوله :
يخرجون الرسول وإياكم : وهو أن بعض الناس زعم أنه يجوز الانفصال مع القدرة على الاتصال ، وتقدم الجواب بقريب مما ذكرته هنا ، وبينت حكمة التقديم ثمة . وقول الزمخشري : " إن الضمير في " لعلهم يهتدون "
لموسى وقومه " فيه نظر ، بل الظاهر خصوص الضمير بقومه دونه ; لأنهم هم المطلوب منهم الهداية . وأما
موسى عليه السلام فمهتد ثابت على الهداية . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أيضا : " ويجوز أن يريد : والفوج أو الفريق الذي جاء بالصدق وصدق به ، وهم : الرسول الذي جاء بالصدق وصحابته الذين صدقوا به " . قال الشيخ : " وفيه توزيع الصلة ، والفوج هو الموصول ، فهو
[ ص: 429 ] كقولك : جاء الفريق الذي شرف وشرف ، والأظهر عدم التوزيع بل المعطوف على الصلة صلة لمن له الصلة الأولى " .
وقرأ
أبو صالح وعكرمة بن سليمان nindex.php?page=showalam&ids=16933ومحمد بن جحادة مخففا بمعنى صدق فيه ، ولم يغيره . وقرئ "
وصدق به " مشددا مبنيا للمفعول .