آ . (71) قوله :
إذ الأغلال : جوزوا في " إذ " هذه أن تكون بمعنى " إذا " لأن العامل فيها محقق الاستقبال ، وهو " فسوف يعلمون " ، قالوا : وكما تقع " إذا " موقع " إذ " في قوله تعالى :
وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها كذلك تقع " إذ " موقعها ، وقد مضى نحو من هذا في البقرة عند قوله
ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب . قالوا : والذي حسن هذا تيقن وقوع الفعل فأخرج في صورة الماضي . قلت : ولا حاجة إلى إخراج " إذ " عن موضوعها ، بل هي باقية على دلالتها على المضي ، وهي منصوبة بقوله "
فسوف يعلمون " نصب المفعول به أي : فسوف يعلمون يوم القيامة وقت الأغلال في أعناقهم أي : وقت سبب الأغلال ، وهي المعاصي التي كانوا يفعلونها في الدنيا كأنه قيل : سيعرفون وقت معاصيهم التي تجعل الأغلال في أعناقهم . وهو وجه واضح ، غاية ما فيه التصرف في " إذ " بجعلها مفعولا بها ، ولا يضر ذلك ; فإن
[ ص: 495 ] المعربين غالب أوقاتهم يقولون : منصوب بـ اذكر مقدرا ولا يكون حينئذ إلا مفعولا به لاستحالة عمل المستقبل في الزمن الماضي . وجوزوا أن يكون منصوبا بـ اذكر مقدرا أي : اذكر لهم وقت الأغلال ليخافوا وينزجروا . فهذه ثلاثة أوجه ، خيرها أوسطها .
قوله : "
والسلاسل " العامة على رفعها . وفيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه معطوف على الأغلال ، وأخبر عن النوعين بالجار ، فالجار في نية التأخير . والتقدير : إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم . الثاني : أنه مبتدأ ، وخبره محذوف لدلالة خبر الأول عليه . الثالث : أنه مبتدأ أيضا ، وخبره الجملة من قوله "
يسحبون " . ولا بد من ذكر يعود عليه منها . والتقدير : والسلاسل يسحبون بها حذف لقوة الدلالة عليه . فيسحبون مرفوع المحل على هذا الوجه . وأما في الوجهين المتقدمين فيجوز فيه النصب على الحال من الضمير المنوي في الجار ، ويجوز أن يكون مستأنفا .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=17340وابن وثاب والمسيبي في اختياره " والسلاسل " نصبا " يسحبون " بفتح الياء مبنيا للفاعل ، فيكون " السلاسل " مفعولا مقدما ، ويكون قد عطف جملة فعلية على جملة اسمية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في معنى هذه القراءة : " إذ كانوا يجرونها ، فهو أشد عليهم يكلفون ذلك ، ولا يطيقونه " . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجماعة " والسلاسل " بالجر ، " يسحبون " مبنيا للمفعول . وفيها ثلاثة تأويلات ، أحدها : الحمل على المعنى تقديره : إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل ، فلما كان معنى الكلام ذلك حمل عليه في العطف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " ووجهه أنه لو قيل : إذ أعناقهم
[ ص: 496 ] في الأغلال ، مكان قوله :
إذ الأغلال في أعناقهم لكان صحيحا مستقيما ، فلما كانتا عبارتين معتقبتين حمل قوله : " والسلاسل " على العبارة الأخرى .
ونظيره :
3941 - مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها
كأنه قيل : بمصلحين " وقرئ " بالسلاسل " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية : " تقديره : إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل ، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ ، إذ ترتيبه فيه قلب وهو على حد قول العرب " أدخلت القلنسوة في رأسي " . وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي " وفي السلاسل يسحبون " . قال الشيخ بعد قول
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري المتقدم : " ويسمى هذا العطف على التوهم ، إلا أن توهم إدخال حرف الجر على " مصلحين " أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها ، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها . ونظير ذلك قوله :
3942 - أجدك لن ترى بثعيلبات ولا بيداء ناجية ذمولا
ولا متدارك والليل طفل ببعض نواشغ الوادي حمولا
[ ص: 497 ] التقدير : لست براء ولا متدارك . وهذا الذي قالاه سبقهما إليه الفراء فإنه قال : من جر السلاسل حمله على المعنى ، إذ المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل " .
الوجه الثاني : أنه عطف على "
الحميم " . فقدم على المعطوف عليه ، وسيأتي تقرير هذا . الثالث : أن الجر على تقدير إضمار الخافض ، ويؤيده قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي " وفي السلاسل " وقرأه غيره " وبالسلاسل " وإلى هذا نحا
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري رده وقال : " لو قلت : " زيد في الدار " لم يحسن أن تضمر " في " فتقول : " زيد الدار " ثم ذكر تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء . وخرج القراءة عليه ثم قال : كما تقول : " خاصم
عبد الله زيدا العاقلين " بنصب " العاقلين " ورفعه ; لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه ، فقد خاصمه الآخر . وهذه المسألة ليست جارية على أصول البصريين ، ونصوا على منعها ، وإنما قال بها من الكوفيين
ابن سعدان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي : " وقد قرئ والسلاسل ، بالخفض على العطف على " الأعناق " وهو غلط ; لأنه يصير : الأغلال في الأعناق وفي السلاسل ، ولا معنى للأغلال في السلاسل " . قلت : وقوله على العطف على " الأعناق " ممنوع بل خفضه على ما تقدم . وقال أيضا : " وقيل : هو معطوف على " الحميم " وهو أيضا لا يجوز ; لأن المعطوف المخفوض لا يتقدم على المعطوف عليه ، لو قلت : " مررت وزيد بعمرو " لم يجز ، وفي المرفوع يجوز نحو : " قام وزيد عمرو " ويبعد في المنصوب ، لا يحسن : " رأيت وزيدا عمرا " ولم يجزه في المخفوض أحد " .
قلت : وظاهر كلامه أنه يجوز في المرفوع بعيد ، وقد نصوا أنه لا يجوز
[ ص: 498 ] إلا ضرورة بثلاثة شروط : أن لا يقع حرف العطف صدرا ، وأن يكون العامل متصرفا ، وأن لا يكون المعطوف عليه مجرورا ، وأنشدوا :
3943 - ... ... ... ... عليك ورحمة الله السلام
إلى غير ذلك من الشواهد ، مع تنصيصهم على أنه مختص بالضرورة .
والسلسلة معروفة . قال الراغب " وتسلسل الشيء : اضطرب كأنه تصور منه تسلل متردد ، فتردد لفظه تنبيه على تردد معناه . وماء سلسل متردد في مقره " . والسحب : الجر بعنف ، والسحاب من ذلك ; لأن الريح تجره ، أو لأنه يجر الماء . وسجرت التنور أي : ملأته نارا وهيجتها . ومنه البحر المسجور أي : المملوء . وقيل : المضطرم نارا . قال الشاعر :
3944 - إذا شاء طالع مسجورة ترى حولها النبع والشوحطا
فمعنى قوله تعالى هنا :
ثم في النار يسجرون أي : يوقد لهم ، كقوله :
وقودها الناس والسجير : الخليل الذي يسجر في مودة خليله ، كقولهم : فلان يحترق في مودة فلان .
[ ص: 499 ]