[ ص: 297 ] سورة الممتحنة
بسم الله الرحمن الرحيم
آ. (1) قوله:
عدوي وعدوكم أولياء : هذان مفعولا الاتخاذ. والعدو لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوقه، وأضاف العدو لنفسه تعالى تغليظا في جرمهم.
قوله:
تلقون فيه أربعة أوجه، أحدها: أنه تفسير لموالاتهم إياهم. الثاني: أنه استئناف إخبار بذلك فلا يكون للجملة على هذين الوجهين محل من الإعراب. الثالث: أنها حال من فاعل "تتخذوا" أي: لا تتخذوا ملقين المودة. الرابع: أنها صفة لـ "أولياء". قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت: إذا جعلته صفة لأولياء، وقد جرى على غير من هوله، فأين الضمير البارز، وهو قولك: تلقون إليهم أنتم بالمودة؟ قلت: ذاك إنما اشترطوه في الأسماء دون الأفعال، لو قيل: أولياء ملقين إليهم بالمودة على الوصف لما كان بد من الضمير البارز. قلت: قد تقدمت هذه المسألة مستوفاة، وفيها كلام
nindex.php?page=showalam&ids=17141لمكي وغيره. إلا أن الشيخ اعترض على كونها صفة أو حالا بأنهم نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقا في قوله:
لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء والتقييد بالحال والوصف يوهم
[ ص: 298 ] جواز اتخاذهم أولياء إذا انتفى الحال أو الوصف. ولا يلزم ما قال لأنه معلوم من القواعد الشرعية فلا مفهوم لهما البتة. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : "تلقون من صلة أولياء" وهذا على أصولهم من أن النكرة توصل كغيرها من الموصولات.
قوله:
بالمودة في الباء ثلاثة أوجه، أحدها: أن الباء مزيدة في المفعول به كقوله:
ولا تلقوا بأيديكم . والثاني: أنها غير مزيدة والمفعول محذوف، ويكون معنى الباء السبب. كأنه قيل: تلقون إليهم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخباره بسبب المودة التي بينكم. والثالث: أنها متعلقة بالمصدر الدال عليه "تلقون" أي: إلقاؤهم بالمودة، نقله
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي عن البصريين، وجعل القول بزيادة الباء قول الكوفيين. إلا أن هذا الذي نقله عن البصريين لا يوافق أصولهم; إذ يلزم منه حذف المصدر وإبقاء معموله، وهو لا يجوز عندهم. وأيضا فإن فيه حذف الجملة برأسها، فإن "إلقاءهم" مبتدأ و"بالمودة" متعلق به، والخبر أيضا محذوف. وهذا إجحاف.
قوله:
وقد كفروا فيه أوجه: الاستئناف، والحال من فاعل "تتخذوا" والحال من فاعل "تلقون" أي: لا تتولوهم ولا توادوهم وهذه حالهم. والعامة "بما" بالباء،
والجحدري nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم في رواية "لما" باللام
[ ص: 299 ] أي: لأجل ما جاءكم، فعلى هذا الشيء المكفور غير مذكور، تقديره: كفروا بالله ورسوله.
قوله:
يخرجون الرسول يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون تفسيرا لكفرهم، فلا محل له على هذين، وأن يكون حالا من فاعل "كفروا".
قوله:
وإياكم عطف على الرسول. وقدم عليهم تشريفا له.
وقد استدل به من يجوز انفصال الضمير مع القدرة على اتصاله، إذ كان يجوز أن يقال: يخرجونكم والرسول، فيجوز: "يخرجون إياكم والرسول" في غير القرآن وهو ضعيف; لأن حالة تقديم الرسول دلالة على شرفه. لا نسلم أنه يقدر على اتصاله. وقد تقدم لك الكلام على هذه الآية عند قوله تعالى:
ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم في سورة النساء فعليك باعتباره.
قوله:
أن تؤمنوا مفعول له. وناصبه: "يخرجون" أي: يخرجونكم لإيمانكم أو كراهة إيمانكم.
قوله:
إن كنتم خرجتم جوابه محذوف عند الجمهور لتقدم "لا تتخذوا"، ومقدم وهو "لا تتخذوا" عند الكوفيين ومن تابعهم. وقد تقدم تحريره. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : و
إن كنتم خرجتم متعلق بـ "لا تتخذوا". يعني: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي. وقول النحويين في مثله: هو شرط، جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه". انتهى. يريد أنه
[ ص: 300 ] متعلق به من حيث المعنى. وأما من حيث الإعراب فكما قال جمهور النحويين.
قوله: "جهادا وابتغاء" يجوز أن ينصبا على المفعول له أي: خرجتم لأجل هذين، أو على المصدر بفعل مقدر أي: تجاهدون، وتبتغون، أو على أنهما في موضع الحال.
قوله:
تسرون يجوز أن يكون مستأنفا، ولم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري غيره، وأن يكون حالا ثانية من ما انتصب عنه "تلقون" حالا، وأن يكون بدلا من "تلقون"، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية. ويشبه أن يكون بدل اشتمال لأن إلقاء المودة يكون سرا وجهرا، فأبدل منه هذا للبيان بأي نوع وقع الإلقاء، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي: أنتم تسرون، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية، ولا يخرج عن معنى الاستئناف. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء :"هو توكيد لـ "تلقون" بتكرير معناه"، وفيه نظر; لأن الإلقاء أعم من أن يكون سرا أو جهرا.
وقوله:
بالمودة الكلام في الباء هنا كالكلام عليها بعد "تلقون".
قوله:
وأنا أعلم هذه الجملة حال من فاعل "تسرون" أي: وأي طائل لكم في إسراركم وقد علمتم أن الإسرار والإعلان سيان في علمي؟ و"أعلم" يجوز أن يكون أفعل تفضيل وهو الظاهر، وأن يكون فعلا
[ ص: 301 ] مضارعا. قال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية: "وعدي بالباء لأنك تقول: علمت بكذا".
قوله:
ومن يفعله في الضمير وجهان، أظهرهما: أنه يعود على الإسرار; لأنه أقرب مذكور. والثاني: أنه يعود على الاتخاذ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية.
قوله:
سواء السبيل يجوز أن يكون منصوبا على الظرف إن قلنا: "ضل" قاصر، وأن يكون مفعولا به إن قلنا: هو متعد.