[ ص: 386 ] آ. (14) قوله:
من خلق : فيه وجهان، أحدهما: أنه فاعل "يعلم" والمفعول محذوف تقديره: ألا يعلم الخالق خلقه، وهذا هو الذي عليه جمهور الناس وبه بدأ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . والثاني: أن الفاعل مضمر يعود على الباري سبحانه وتعالى، و"من" مفعول به أي: ألا يعلم الله من خلقه. قال الشيخ : "والظاهر أن "من" مفعول، والمعنى: أينتفي علمه بمن خلقه، وهو الذي لطف علمه ودق"، ثم قال: "وأجاز بعض النحويين أن يكون "من" فاعلا والمفعول محذوف، كأنه قال: ألا يعلم الخالق سركم وجهركم، وهو استفهام، معناه الإنكار". قلت: وهذا الوجه الذي جعله هو الظاهر يعزيه الناس لأهل الزيغ والبدع الدافعين لعموم الخلق لله تعالى.
وقد أطنب
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي في ذلك، وأنكر على القائل به ونسبه إلى ما ذكرت فقال: وقد قال بعض أهل الزيغ: إن "من" في موضع نصب اسم للمسرين والجاهرين ليخرج الكلام عن عمومه ويدفع عموم الخلق عن الله تعالى، ولو كان كما زعم لقال: ألا يعلم ما خلق لأنه إنما تقدم ذكر ما تكن الصدور فهو في موضع "ما" ولو أتت "ما" في موضع "من" لكان فيه أيضا بيان العموم: أن الله خالق كل شيء من أقوال الخلق أسروها أو أظهرها خيرا كانت أو شرا، ويقوي ذلك " إنه عليم بذات الصدور " ، ولم يقل: عليم بالمسرين والمجاهرين وتكون "ما" في موضع
[ ص: 387 ] نصب، وإنما يخرج الآية من هذا العموم إذا جعلت "من" في موضع نصب اسما للأناس المخاطبين قبل هذه الآية، وقوله:
"بذات الصدور" يمنع من ذلك. انتهى. ولا أدري كيف يلزم ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي بالإعراب الذي ذكره والمعنى الذي أبداه؟ وقد قال بهذا القول أعني الإعراب الثاني جماعة من المحققين ولم يبالوا بما ذكره لعدم إفهام الآية إياه.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بعد كلام ذكره: ثم أنكر ألا يحيط علما بالمضمر والمسر والمجهر من خلق الأشياء، وحاله أنه اللطيف الخبير المتوصل علمه إلى ما ظهر وما بطن. ويجوز أن يكون "من خلق" منصوبا بمعنى: ألا يعلم مخلوقه، وهذه حاله، ثم قال: فإن قلت: قدرت في "ألا يعلم" مفعولا على معنى: ألا يعلم ذلك المذكور مما أضمر في القلب وأظهر باللسان من خلق؟ فهلا جعلته مثل قولهم: "هو يعطي ويمنع"، وهلا كان المعنى: ألا يكون عالما من هو خالق لأن الخالق لا يصح إلا مع العلم؟ قلت: أبت ذلك الحال التي هي قوله:
وهو اللطيف الخبير لأنك لو قلت: ألا يكون عالما من هو خالق وهو اللطيف الخبير لم يكن معنى صحيحا; لأن "ألا يعلم" معتمد على الحال والشيء لا يوقت بنفسه، فلا يقال: "ألا يعلم وهو عالم، ولكن ألا يعلم كذا، وهو عالم بكل شيء".