آ. (23) قوله:
إلا بلاغا : فيه أوجه، أحدها: أنه استثناء
[ ص: 501 ] منقطع. أي: لكن إن بلغت عن الله رحمني; لأن البلاغ من الله لا يكون داخلا تحت قوله:
ولن أجد من دونه ملتحدا ، لأنه لا يكون من دون الله، بل يكون من الله وبإعانته وتوفيقه. الثاني: أنه متصل. وتأويله: أن الإجارة مستعارة للبلاغ، إذ هو سببها، وسبب رحمته تعالى، والمعنى: لن أجد سببا أميل إليه وأعتصم به، إلا أن أبلغ وأطيع، فيجيرني. وإذا كان متصلا جاز نصبه من وجهين، أحدهما: وهو الأرجح أن يكون بدلا من "ملتحدا"; لأن الكلام غير موجب. والثاني: أنه منصوب على الاستثناء، وإلى البدلية ذهب
أبو إسحاق. الثالث: أنه مستثنى من قوله:
لا أملك لكم ضرا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: أي لا أملك لكم إلا بلاغا إليكم.
وقرره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فقال: "أي: لا أملك إلا بلاغا من الله، و
قل إني لن يجيرني جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة". قال الشيخ : "وفيه بعد لطول الفصل بينهما". قلت: وأين الطول وقد وقع الفصل بأكثر من هذا؟ وعلى هذا فالاستثناء منقطع. الرابع: أن الكلام ليس استثناء بل شرطا. والأصل: إن لا فأدغم فـ "إن" شرطية، وفعلها محذوف لدلالة مصدره والكلام الأول عليه، و"لا" نافية والتقدير: إن لا أبلغ بلاغا من الله فلن يجيرني منه أحد. وجعلوا هذا كقول الشاعر:
[ ص: 502 ] 4360- فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعل مفرقك الحسام
أي: وإن لا تطلقها يعل، حذف الشرط وأبقى الجواب. وفي هذا الوجه ضعف من وجهين، أحدهما: أن حذف الشرط دون أداته قليل جدا. والثاني: أنه حذف الجزآن معا أعني الشرط والجزاء، فيكون كقوله:
4361 - قالت بنات العم يا سلمى وإن كان فقيرا معدما قالت: وإن
أي: قالت: وإن كان فقيرا فقد رضيته. وقد يقال: إن الجواب إما مذكور عند من يرى جواز تقديمه، وإما في قوة المنطوق به لدلالة ما قبله عليه.
قوله:
من الله فيه وجهان، أحدهما: أن "من" بمعنى عن; لأن بلغ يتعدى بها، ومنه قوله عليه السلام: "ألا بلغوا عني". والثاني: أنه متعلق بمحذوف على أنه صفة لـ "بلاغ". قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : "من" ليست صلة للتبليغ، إنما هي بمنزلة "من" في قوله:
براءة من الله بمعنى: بلاغا كائنا من الله.
قوله:
ورسالاته فيه وجهان، أحدهما: أنها منصوبة نسقا على
[ ص: 503 ] "بلاغا" كأنه قيل: لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات، ولم يقل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري غيره. والثاني: أنها مجرورة نسقا على الجلالة أي: إلا بلاغا عن الله وعن رسالاته، كذا قدره الشيخ .
وجعله هو الظاهر. وتجوز في جعله "من" بمعنى عن، والتجوز في الحروف رأي كوفي، ومع ذلك فغير منقاس عندهم.
قوله:
فإن له نار العامة على كسرها، جعلوها جملة مستقلة بعد فاء الجزاء. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بفتحها، على أنها مع ما في حيزها في تأويل مصدر واقع خبرا لمبتدأ مضمر تقديره: فجزاؤه أن له نار جهنم، أو فحكمه: أن له نار جهنم. قال
ابن خالويه: "سمعت ابن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد يقول: لم يقرأ به أحد، وهو لحن; لأنه بعد فاء الشرط". قال: "وسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري يقول: هو صواب ومعناه، فجزاؤه أن له نار جهنم". قلت:
nindex.php?page=showalam&ids=13492ابن مجاهد وإن كان إماما في القراءات، إلا أنه خفي عليه وجهها، وهو عجيب جدا. كيف غفل عن قراءتي
فأنه غفور رحيم في الأنعام، لا جرم أن
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري استصوب القراءة لطول باعه في العربية.
قوله:
خالدين حال من الهاء في "له"، والعامل الاستقرار الذي تعلق به هذا الجار، وحمل على معنى "من" فلذلك جمع.