آ. ( 23 ) قوله تعالى:
من الذين يخافون هذا الجار والمجرور في محل رفع صفة لـ "رجلان"، ومفعول "يخافون" محذوف، تقديره: يخافون الله أو يخافون العدو، ولكن ثبتهما الله تعالى بالإيمان والثقة به حتى قالوا هذه المقالة، ويؤيد التقدير الأول التصريح بالمفعول في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: "يخافون الله"، وهذان التأويلان بناء على ما هو المشهور عند الجمهور من كون الرجلين القائلين ذلك من قوم
موسى، وهما
يوشع وكالب، وقيل: الرجلان من الجبارين، ولكن أنعم الله عليهما بالإيمان حتى قالا هذه المقالة، يحرضهم على قومهم لمعاداتهم لهم في الدين، وعلى هذا القول فيحتمل أن يكون مفعول "يخافون" كما تقدم؛ أي: يخافون الله أو العدو، والمعنى كما تقدم، ويحتمل أن يكون المفعول ضميرا عائدا على الموصول، ويكون الضمير المرفوع في "يخافون" ضمير بني إسرائيل، والتقدير: من الذين يخافهم بنو إسرائيل، وأيد
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هذا التأويل بقراءة من قرأ: "يخافون" مبنيا للمفعول، وبقوله أيضا:
"أنعم الله عليهما"، فإنه قال: وقراءة
[ ص: 233 ] من قرأ: "يخافون" بالضم شاهدة له، ولذلك أنعم الله عليهما، كأنه قيل: من المخوفين. انتهى. والقراءة المذكورة مروية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، وأبدى
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أيضا في هذه القراءة احتمالا آخر، وهو أن تكون من الإخافة، ومعناه: من الذين يخوفون من الله بالتذكرة والموعظة، أو يخوفهم وعيد الله بالعقاب. وتحتمل القراءة أيضا وجها آخر: وهو أن يكون المعنى: "يخافون"؛ أي: يهابون ويوقرون، ويرجع إليهم لفضلهم وخيرهم، ومع هذين الاحتمالين الأخيرين فلا ترجيح في هذه القراءة؛ لكون الرجلين من الجبارين. وأما قوله: وكذلك
"أنعم الله عليهما"؛ أي: في كونه مرجحا أيضا لكونهما من الجبارين، فغير ظاهر، لكون هذه الصفة مشتركة بين
يوشع وكالب، وبين غيرهما ممن أنعم الله عليه.
قوله:
"أنعم الله عليهما" في هذه الجملة خمسة أوجه، أظهرها: أنها صفة ثانية فمحلها الرفع، وجيء هنا بأفصح الاستعمالين من كون قدم الوصف بالجار على الوصف بالجملة لقربه من المفرد. والثاني: أنها معترضة، وهو أيضا ظاهر. الثالث: أنها حال من الضمير في "يخافون"، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي. الرابع: أنها حال من "رجلان"، وجاءت الحال من النكرة لتخصصها بالوصف. الخامس: أنها حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور، وهو
"من الذين" لوقوعه صفة لموصوف، وإذا جعلتها حالا فلا بد من إضمار "قد" مع الماضي على خلاف سلف في المسألة.