آ. ( 61 ) قوله تعالى:
ويرسل : فيه خمسة أوجه، أحدها: أنه عطف على اسم الفاعل الواقع صلة لأل؛ لأنه في معنى يفعل، والتقدير: وهو الذي يقهر عباده ويرسل، فعطف الفعل على الاسم؛ لأنه في تأويله، ومثله عند بعضهم:
إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا ، قالوا: فأقرضوا عطف على "مصدقين" الواقع صلة لأل؛ لأنه في معنى: إن الذين صدقوا وأقرضوا،
[ ص: 665 ] وهذا ليس بشيء؛ لأنه يلزم من ذلك الفصل بين أبعاض الصلة بأجنبي، وذلك أن "وأقرضوا" من تمام صلة أل في "المصدقين "، وقد عطف على الموصول قوله: "المصدقات" وهو أجنبي، وقد تقرر غير مرة أنه لا يتبع الموصول إلا بعد تمام صلته. وأما قوله تعالى:
فوقهم صافات ويقبضن ، فيقبضن في تأويل اسم؛ أي: وقابضات. ومن عطف الاسم على الفعل لكونه في تأويل الاسم قوله تعالى:
يخرج الحي من الميت ومخرج الميت ، وقوله:
1940 - فألفيته يوما يبير عدوه ومجر عطاء يستخف المعابرا
والثاني: أنها جملة فعلية عطفت على جملة اسمية، وهي قوله:
"وهو القاهر". والثالث: أنها معطوفة على الصلة وما عطف عليها، وهو قوله: يتوفاكم ويعلم، وما بعده؛ أي: وهو الذي يتوفاكم ويرسل. الرابع: أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة في محل نصب على الحال. وفي صاحبها وجهان، أظهرهما: أنه الضمير المستكن في "القاهر"، والثاني: أنها حال من الضمير المستكن في الظرف، كذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء ، ونقله عن الشيخ، وقال: "وهذا الوجه أضعف الأعاريب"، وقولهما: "الضمير الذي في الظرف" ليس هنا ظرف يتوهم كون هذه الحال من ضمير فيه، إلا قوله:
"فوق عباده"، ولكن بأي طريق يتحمل هذا الظرف ضميرا ؟
والجواب: أنه قد تقدم في الآية المشبهة لهذه أن
"فوق عباده" فيه خمسة أوجه، ثلاثة منها تتحمل فيها ضميرا، وهي: كونه خبرا ثانيا، أو بدلا من
[ ص: 666 ] الخبر، أو حالا، وإنما اضطررنا إلى تقدير مبتدأ قبل "يرسل"؛ لأن المضارع المثبت إذا وقع حالا لم يقترن بالواو، وقد تقدم إيضاح هذا غير مرة. والخامس: أنها مستأنفة سيقت للإخبار بذلك، وهذا الوجه هو في المعنى كالثاني.
وقوله: "عليكم" يحتمل ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه متعلق بـ يرسل، ومنه:
"يرسل عليكما"، "فأرسلنا عليهم"، "وأرسل عليهم طيرا"، إلى غير ذلك. والثاني: أنه متعلق بـ "حفظة"، يقال: حفظت عليه عمله، فالتقدير: ويرسل حفظة عليكم. قال الشيخ: "أي: يحفظون عليكم أعمالهم، كما قال:
"وإن عليكم لحافظين"، كما تقول: حفظت عليك ما تعمل". فقوله: "كما قال: إن عليكم لحافظين" تشبيه من حيث المعنى، لا أن "عليكم" تعلق بحافظين؛ لأن "عليكم" هو الخبر لـ "إن" فيتعلق بمحذوف. والثالث: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من "حفظة"؛ إذ لو تأخر لجاز أن يكون صفة لها.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : "عليكم" فيه وجهان، أحدهما: هو متعلق بيرسل. والثاني: أن يكون في نية التأخير، وفيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بنفس "حفظة" والمفعول محذوف؛ أي: يرسل عليكم من يحفظ أعمالكم. والثاني: أن يكون صفة لـ "حفظة"، قدمت فصارت حالا" انتهى. قوله: "والمفعول محذوف"، يعني: مفعول "حفظة"، إلا أنه يوهم أن تقدير المفعول خاص بالوجه الذي ذكره، وليس كذلك بل لا بد من تقديره على كل وجه، و "حفظة" إنما
[ ص: 667 ] عمل في ذلك المقدر لكونه صفة لمحذوف، تقديره: ويرسل عليكم ملائكة حفظة؛ لأنه لا يعمل إلا بشروط هذا منها، أعني: كونه معتمدا على موصوف.
و "حفظة" جمع حافظ، وهو منقاس في كل وصف على فاعل صحيح اللام لعاقل مذكر كـ "بار" و "بررة"، و "فاجر" و "فجرة"، و "كامل" و "كملة"، ويقل في غير العاقل كقولهم: غراب ناعق، وغربان نعقة. وتقدم مثل قوله:
"حتى إذا جاء"
قوله:
"توفته" قرأ الجمهور: "توفته" ماضيا بتاء التأنيث لتأنيث الجمع. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة: "توفاه" من غير تاء تأنيث، وهي تحتمل وجهين، أظهرهما: أنه ماض، وإنما حذف تاء التأنيث لوجهين، أحدهما: كونه تأنيثا مجازيا، والثاني: الفصل بين الفعل وفاعله بالمفعول. والثاني: أنه مضارع، وأصله: تتوفاه بتاءين، فحذفت إحداهما على خلاف في أيتهما كـ "تنزل" وبابه. وحمزة على بابه في إمالة مثل هذه الألف. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش: "يتوفاه" مضارعا بياء الغيبة، اعتبارا بكونه مؤنثا مجازيا أو للفصل، فهي كقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة في الوجه الأول من حيث تذكير الفعل، وكقراءته في الوجه الثاني من حيث إنه أتى به مضارعا. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : "وقرئ شاذا: "تتوفاه" على الاستقبال، ولم يذكر بياء ولا تاء.
قوله:
"وهم لا يفرطون" هذه الجملة تحتمل وجهين، أظهرهما: أنها حال من "رسلنا". والثاني: أنها استئنافية سيقت للإخبار عنهم بهذه الصفة، والجمهور على التشديد في "يفرطون"، ومعناه: لا يقصرون. وقرأ
عمرو بن [ ص: 668 ] عبيد nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج: "يفرطون" مخففا من أفرط، وفيها تأويلان، أحدهما: أنها بمعنى لا يجاوزون الحد فيما أمروا به. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : "فالتفريط: التواني والتأخير عن الحد، والإفراط: مجاوزة الحد؛ أي: لا ينقصون مما أمروا به ولا يزيدون". والثاني: أن معناه: لا يتقدمون على أمر الله، وهذا يحتاج إلى نقل أن أفرط بمعنى فرط؛ أي: تقدم. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ قريبا من هذا، فإنه قال: "معنى لا يفرطون: لا يدعون أحدا يفرط عنهم؛ أي: يسبقهم ويفوتهم". وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : "ويقرأ بالتخفيف؛ أي: لا يزيدون على ما أمروا به"، وهو قريب مما تقدم.