[ ص: 79 ] سورة البقرة
آ. (1-2) قوله تعالى:
الـم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين : إن قيل: إن الحروف المقطعة في أوائل السور أسماء حروف التهجي؛ بمعنى أن الميم اسم لمه؛ والعين اسم لعه؛ وإن فائدتها إعلامهم بأن هذا القرآن منتظم من جنس ما تنظمون منه كلامكم؛ ولكن عجزتم عنه؛ فلا محل لها حينئذ من الإعراب؛ وإنما جيء بها لهذه الفائدة فألقيت كأسماء الأعداد؛ نحو: واحد، اثنان؛ وهذا أصح الأقوال الثلاثة؛ أعني أن في الأسماء التي لم يقصد الإخبار عنها ولا بها ثلاثة أقوال؛ أحدها ما تقدم. والثاني: أنها معربة؛ بمعنى أنها صالحة للإعراب؛ وإنما فات شرط؛ وهو التركيب؛ وإليه مال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . والثالث: أنها موقوفة؛ لا معربة؛ ولا مبنية. أو إن قيل: إنها أسماء السور المفتتحة بها؛ أو إنها بعض أسماء الله تعالى؛ حذف بعضها، وبقي منها هذه الحروف دالة عليها؛ وهو رأي
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس؛ كقوله: الميم من "عليم"؛ والصاد من "صادق"؛ فلها حينئذ محل إعراب؛ ويحتمل الرفع والجر؛
[ ص: 80 ] فالرفع على أحد وجهين: إما بكونها مبتدأ؛ وإما بكونها خبرا؛ كما سيأتي بيانه مفصلا. والنصب على أحد وجهين أيضا: إما بإضمار فعل لائق؛ تقديره: اقرؤوا: الـم؛ وإما بإسقاط حرف القسم؛ كقول الشاعر:
93 - إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد
يريد: وأمانة الله؛ وكذلك هذه الحروف؛ أقسم الله تعالى بها؛ وقد رد
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هذا الوجه بما معناه: أن "القرآن" في
ص والقرآن ذي الذكر ؛ و"القلم" في:
ن والقلم ؛ محلوف بهما لظهور الجر فيهما؛ وحينئذ لا يخلو أن تجعل الواو الداخلة عليهما للقسم؛ أو للعطف؛ والأول يلزم منه محذور؛ وهو الجمع بين قسمين على مقسم؛ قال: "وهم يستكرهون ذلك"؛ والثاني ممنوع لظهور الجر فيما بعدها؛ والفرض أنك قدرت المعطوف عليه في محل نصب. وهو رد واضح؛ إلا أن يقال: هي في محل نصب إلا فيما ظهر فيه الجر بعده كالموضعين المتقدمين؛ و
حـم والكتاب و
ق والقرآن ؛ ولكن القائل بذلك لم يفرق بين موضع وموضع؛ فالرد لازم له.
والجر من وجه واحد؛ وهو أنها مقسم بها؛ حذف حرف القسم، وبقي
[ ص: 81 ] عمله؛ كقولهم: "الله لأفعلن"؛ أجاز ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14423أبو القاسم الزمخشري ؛
nindex.php?page=showalam&ids=14803وأبو البقاء . وهذا ضعيف؛ لأن ذلك من خصائص الجلالة المعظمة؛ لا يشركها فيه غيرها.
فتلخص مما تقدم: أن في "الـم"؛ ونحوها ستة أوجه؛ وهي: أنها لا محل لها من الإعراب؛ أو لها محل، وهو الرفع بالابتداء أو الخبر؛ والنصب بإضمار فعل، أو حذف حرف القسم؛ والجر بإضمار حرف القسم.
وأما "ذلك الكتاب"؛ فيجوز في "ذلك" أن يكون مبتدأ ثانيا؛ والكتاب خبره؛ والجملة خبر "الـم"؛ وأغنى الربط باسم الإشارة؛ ويجوز أن يكون "الـم" مبتدأ؛ و"ذلك" خبره؛ و"الكتاب" صفة لـ "ذلك"؛ أو بدل منه؛ أو عطف بيان؛ وأن يكون "الـم" مبتدأ؛ و"ذلك" مبتدأ ثان؛ و"الكتاب": إما صفة له؛ أو بدل منه؛ أو عطف بيان له.
و
لا ريب فيه ؛ خبر عن المبتدإ الثاني؛ وهو وخبره خبر عن الأول؛ ويجوز أن يكون "الـم" خبر مبتدإ مضمر؛ تقديره: هذه الـم؛ فتكون جملة مستقلة بنفسها؛ ويكون "ذلك" مبتدأ ثانيا؛ و"الكتاب" خبره؛ ويجوز أن يكون صفة له؛ أو بدلا؛ أو بيانا؛ و
لا ريب فيه ؛ هو الخبر عن "ذلك"؛ أو يكون "الكتاب" خبرا لـ "ذلك"؛ و
لا ريب فيه ؛ خبر ثان؛ وفيه نظر من حيث إنه تعدد الخبر؛ وأحدهما جملة؛ لكن الظاهر جوازه؛ كقوله تعالى:
فإذا هي حية تسعى ؛ إذا قيل إن "تسعى" خبر؛ وأما إن جعل صفة فلا.
وقوله:
لا ريب فيه ؛ يجوز أن يكون خبرا كما تقدم بيانه؛ ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال؛ والعامل فيه معنى الإشارة؛
[ ص: 82 ] و"لا" نافية للجنس محمولة في العمل على نقيضتها "إن"؛ واسمها معرب ومبني؛ فيبنى إذا كان مفردا نكرة على ما كان ينصب به؛ وسبب بنائه تضمنه معنى الحرف؛ وهو "من" الاستغراقية؛ يدل على ذلك ظهورها في قول الشاعر:
94 - فقام يذود الناس عنها بسيفه فقال: ألا لا من سبيل إلى هند
وقيل: بني لتركبه معها تركيب خمسة عشر؛ وهو فاسد؛ وبيانه في غير هذا الكتاب.
وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أن حركة "لا رجل"؛ ونحوه حركة إعراب؛ وإنما حذف التنوين تخفيفا؛ ويدل على ذلك الرجوع إلى هذا الأصل في الضرورة؛ كقوله:
95 - ألا رجلا جزاه الله خيرا يدل على محصلة تبيت
ولا دليل له؛ لأن التقدير: ألا ترونني رجلا؟
فإن لم يكن مفردا - وأعني به المضاف والشبيه به - أعرب نصبا؛ نحو: "لا خيرا من زيد"؛ ولا عمل لها في المعرفة البتة؛ وأما نحو:
96 - تبكي على زيد ولا زيد مثله بريء من الحمى سليم الجوانح
وقول الآخر:
[ ص: 83 ] 97 - أرى الحاجات عند أبي خبيب نكدن ولا أمية في البلاد
وقول الآخر:
98 - لا هيثم الليلة للمطي
وقوله عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=888648 "لا قريش بعد اليوم؛ إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده"؛ فمؤول.
و"ريب" اسمها؛ وخبرها يجوز أن يكون الجار والمجرور؛ وهو "فيه"؛ إلا أن
بني تميم لا تكاد تذكر خبرها؛ فالأولى أن يكون محذوفا؛ تقديره: لا ريب كائن؛ ويكون الوقف على "ريب" حينئذ تاما؛ وقد يحذف اسمها ويبقى خبرها؛ قالوا: لا عليك؛ أي لا بأس عليك؛ ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أنها واسمها في محل رفع بالابتداء؛ ولا عمل لها في الخبر؛ ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش أن اسمها في محل رفع؛ وهي عاملة في الخبر.
ولها أحكام كثيرة وتقسيمات منتشرة مذكورة في النحو.
واعلم أن "لا" لفظ مشترك بين النفي؛ وهي فيه على قسمين: قسم تنفي فيه الجنس؛ فتعمل عمل "إن"؛ كما تقدم؛ وقسم تنفي فيه الوحدة؛ وتعمل حينئذ عمل ليس؛ وبين النهي والدعاء؛ فتجزم فعلا واحدا؛ وقد تجيء زيادة؛ كما تقدم في
ولا الضالين .
[ ص: 84 ] و"ذلك" اسم إشارة: الاسم منه "ذا"؛ واللام للبعد؛ والكاف للخطاب؛ وله ثلاث رتب: دنيا: ولها المجرد من اللام والكاف؛ نحو: ذا، وذي، وهذا، وهذي؛ ووسطى: ولها المتصل بحرف الخطاب؛ نحو: ذاك، وذيك، وتيك؛ وقصوى: ولها المتصل باللام والكاف؛ نحو: ذلك، وتلك؛ لا يجوز أن يؤتى باللام إلا مع الكاف؛ ويجوز دخول حرف التنبيه على سائر أسماء الإشارة؛ إلا مع اللام؛ فيمتنع للطول؛ وبعض النحويين لم يذكر له إلا رتبتين: دنيا؛ وغيرها.
واختلف النحويون في ذا: هل هو ثلاثي الوضع؛ أم أصله حرف واحد؟ الأول قول البصريين . ثم اختلفوا: هل عينه ولامه ياء؛ فيكون من باب "حيي" أو عينه واو ولامه ياء؛ فيكون من باب "طويت"؛ ثم حذفت لامه تخفيفا؛ وقلبت العين ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ وهذا كله على سبيل التمرين؛ وإلا فـ "هذا" مبني؛ والمبني لا يدخله تصريف.
وإنما جيء هنا بإشارة البعيد تعظيما للمشار إليه؛ ومنه:
99 - أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافا إنني أنا ذلكا
أو لأنه لما نزل من السماء إلى الأرض أشير بإشارة البعيد؛ [أو لأنه كان موعودا به نبيه عليه السلام؛ أو أنه أشير به إلى ما قضاه وقدره في اللوح المحفوظ؛ وفي عبارة المفسرين أشير بذلك للغائب؛ يعنون البعيد؛ وإلا فالمشار إليه لا يكون إلا حاضرا ذهنا أو حسا؛ فعبروا عن الحاضر ذهنا بالغائب؛ أي حسا؛ وتحرير القول ما ذكرته لك].
[ ص: 85 ] والكتاب في الأصل مصدر؛ قال تعالى:
كتاب الله عليكم ؛ وقد يراد به المكتوب؛ قال:
100 - بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة أتتك من الحجاج يتلى كتابها
ومثله:
101 - تؤمل رجعة مني وفيها ... كتاب مثل ما لصق الغراء
وأصل هذه المادة الدلالة على الجمع؛ ومنه كتيبة الجيش؛ وكتبت القربة: خرزتها؛ والكتبة -بضم الكاف- الخرزة؛ والجمع كتب؛ قال:
102 - وفراء غرفية أثأى خوارزها مشلشل ضيعته بينها الكتب
وكتبت الدابة: [إذا جمعت بين شفري رحمها بحلقة أو سير]؛ قال:
103 - لا تأمنن فزاريا حللت به على قلوصك واكتبها بأسيار
والكتابة عرفا: ضم بعض حروف الهجاء إلى بعض.
والريب: الشك مع تهمة؛ قال:
[ ص: 86 ] 104 - ليس في الحق يا أميمة ريب إنما الريب ما يقول الكذوب
وحقيقته على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : قلق النفس واضطرابها؛ ومنه الحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"؛ وأنه مر بظبي خائف؛ فقال: "لا يربه أحد"؛ فليس قول من قال: "الريب الشك مطلقا" بجيد؛ بل هو أخص من الشك؛ كما تقدم.
وقال بعضهم: في الريب ثلاثة معان؛ أحدها: الشك؛ قال
ابن الزبعرى: 105 - ليس في الحق يا أميمة ريب
وثانيها التهمة: قال
nindex.php?page=showalam&ids=15654جميل بثينة: 106 - بثينة قالت: يا nindex.php?page=showalam&ids=15654جميل أربتني فقلت: كلانا يا بثين مريب
وثالثها الحاجة؛ قال:
107 - قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
وقوله:
هدى للمتقين ؛ يجوز فيه عدة أوجه؛ أن يكون مبتدأ؛ وخبره "فيه"؛ متقدما عليه؛ إذا قلنا: إن خبر "لا" محذوف؛ وإن قلنا "فيه" خبرها؛ كان خبره محذوفا مدلولا عليه بخبر "لا"؛ تقديره: لا ريب فيه؛ فيه هدى؛ وأن يكون خبر مبتدإ مضمر؛ تقديره: هو هدى؛ وأن يكون خبرا ثانيا لـ "ذلك"؛ على
[ ص: 87 ] أن "الكتاب" صفة، أو بدل، أو بيان؛ و"لا ريب" خبر أول؛ وأن يكون خبرا ثالثا لـ "ذلك"؛ على أن يكون "الكتاب" خبرا أول؛ و"لا ريب" خبرا ثانيا؛ وأن يكون منصوبا على الحال من "ذلك"؛ أو من "الكتاب" والعامل "فيه"؛ على كلا التقديرين اسم الإشارة؛ وأن يكون حالا من الضمير في "فيه"؛ والعامل ما في الجار والمجرور من معنى الفعل؛ وجعله حالا مما تقدم: إما على المبالغة، كأنه نفس الهدى، أو على حذف مضاف أي: ذا هدى أو على وقوع المصدر موقع اسم الفاعل، وهكذا كل مصدر وقع خبرا أو صفة أو حالا، فيه الأقوال الثلاثة أرجحها الأول. وأجازوا أن يكون "فيه" صفة لريب فيتعلق بمحذوف، وأن يكون متعلقا بريب، وفيه إشكال، لأنه يصير مطولا، واسم "لا" إذا كان مطولا أعرب، إلا أن يكون مرادهم أنه معمول لما دل عليه "ريب" لا لنفس "ريب".
وقد تقدم معنى "الهدى" عند قوله تعالى:
اهدنا الصراط المستقيم ، و "هدى" مصدر على فعل، قالوا: ولم يجئ من هذا الوزن في المصادر إلا: سرى وبكى وهدى، وقد جاء غيرها، وهو: لقيته لقى، قال:
108 - وقد زعموا حلما لقاك ولم أزد... بحمد الذي أعطاك حلما ولا عقلا
والهدى فيه لغتان: التذكير، ولم يذكر
اللحياني غيره، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: "بعض
بني أسد يؤنثه فيقولون: هذه هدى".
و "في" معناها الظرفية حقيقة أو مجازا، نحو: زيد في الدار،
ولكم [ ص: 88 ] في القصاص حياة ولها معان أخر: المصاحبة نحو:
ادخلوا في أمم والتعليل:
nindex.php?page=hadith&LINKID=913154 "إن امرأة دخلت النار في هرة"، وموافقة "على":
ولأصلبنكم في جذوع النخل والباء:
يذرؤكم فيه أي بسببه، والمقايسة:
فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة .
والهاء في "فيه" أصلها الضم - كما تقدم - من أن هاء الكناية أصلها الضم، فإن تقدمها ياء ساكنة أو كسرة كسرها غير الحجازيين، وقد قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة: "لأهله امكثوا"
وحفص في "عاهد عليه الله"، "وما أنسانيه إلا" بلغة الحجاز، والمشهور فيها - إذا لم يلها ساكن وسكن ما قبلها نحو: فيه ومنه - الاختلاس، ويجوز الإشباع، وبه قرأ ابن كثير، فإن تحرك ما قبلها أشبعت، وقد تختلس وتسكن، وقرئ ببعض ذلك كما سيأتي مفصلا.
[ ص: 89 ] و"للمتقين" جار ومجرور متعلق بـ"هدى".
وقيل: صفة لـ(هدى) ، فيتعلق بمحذوف، ومحله حينئذ: إما الرفع أو النصب بحسب ما تقدم في موصوفه، أي: هدى كائن أو كائنا للمتقين.
والأحسن من هذه الوجوه المتقدمة كلها أن تكون كل جملة مستقلة بنفسها، فـ "الم" جملة إن قيل إنها خبر مبتدأ مضمر، و"ذلك الكتاب" جملة، و"لا ريب" جملة، و"فيه هدى" جملة، وإنما ترك العاطف لشدة الوصل؛ لأن كل جملة متعلقة بما قبلها، آخذة بعنقها، تعلقا لا يجوز معه الفصل بالعطف.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ما معناه: فإن قلت: لم لم يتقدم الظرف على الريب كما قدم على "الغول" في قوله تعالى:
لا فيها غول ؟ قلت: لأن تقديم الظرف ثم يشعر بأن غيرها ما نفي عنها، فالمعنى: ليس فيها غول كما في خمور الدنيا، فلو قدم الظرف هنا لأفهم هذا المعنى، وهو أن غيره من الكتب السماوية فيه ريب، وليس ذلك مقصودا، وكأن هذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423أبو القاسم الزمخشري بناء منه على أن التقديم يفيد الاختصاص، وكأن المعنى أن خمرة الآخرة اختصت بنفي الغول عنها بخلاف غيرها، وللمنازعة فيه مجال.
وقد رام بعضهم الرد عليه بطريق آخر، وهو أن العرب قد وصفت - أيضا - خمر الدنيا بأنها لا تغتال العقول، قال
علقمة: 109 - تشفي الصداع ولا يؤذيك صالبها ولا يخالطها في الرأس تدويم
وما أبعد هذا من الرد عليه، إذ لا اعتبار بوصف هذا القائل.
[ ص: 90 ] فإن قيل: قد وجد الريب من كثير من الناس في القرآن، وقوله تعالى:
لا ريب فيه ينفي ذلك.
فالجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المنفي كونه متعلقا للريب، بمعنى أن معه من الأدلة ما إن تأمله المنصف المحق لم يرتب فيه، ولا اعتبار بريب من وجد منه الريب؛ لأنه لم ينظر حق النظر، فريبه غير معتد به.
والثاني: أنه مخصوص، والمعنى: لا ريب فيه عند المؤمنين.
والثالث: أنه خبر معناه النهي، أي لا ترتابوا فيه، والأول أحسن.
و"المتقين" جمع متق، وأصله متقيين بياءين، الأولى لام الكلمة، والثانية علامة الجمع، فاستثقلت الكسرة على لام الكلمة - وهي الياء الأولى - فحذفت، فالتقى ساكنان، فحذف إحداهما، وهي الأولى، ومتق من اتقى يتقي، وهو مفتعل من الوقاية، إلا أنه يطرد في الواو والياء - إذا كانا فاءين ووقعت بعدهما تاء الافتعال - أن يبدلا تاء نحو: اتعد من الوعد، واتسر من اليسر، وفعل ذلك بالهمزة شاذ، قالوا: اتزر واتكل من الإزار والأكل.
ولـ(افتعل) اثنا عشر معنى: الاتخاذ نحو: اتقى، والتسبب نحو: اعتمل، وفعل الفاعل بنفسه نحو: اضطرب، والتخير نحو: انتخب، والخطف نحو: استلب، ومطاوعة (أفعل) نحو: انتصف مطاوع أنصف، ومطاوعة فعل نحو: عممته فاعتم، وموافقة تفاعل وتفعل واستفعل نحو: اجتور واقتسم واعتصم، بمعنى تجاور وتقسم واستعصم، وموافقة المجرد نحو: اقتدر بمعنى قدر، والإغناء عنه نحو: استلم الحجر، لم يلفظ له بمجرد.
والوقاية: فرط الصيانة وشدة الاحتراس من المكروه، ومنه: فرس واق
[ ص: 91 ] إذا كان يقي حافره أدنى شيء يصيبه.
وقيل: هي في أصل اللغة قلة الكلام، وفي الحديث: "التقي ملجم" ومن الصيانة قوله:
110 - سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
وقال آخر:
111 - فألقت قناعا دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم