آ. (3) قوله تعالى:
من ربكم : يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن يتعلق بأنزل، وتكون "من" لابتداء الغاية المجازية. والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حال: إما من الموصول، وإما من عائده القائم مقام الفاعل.
قوله:
من دونه أولياء : "من دونه" يجوز أن يتعلق بالفعل قبله، والمعنى: لا تعدلوا عنه إلى غيره من الشياطين والكهان. والثاني: أن يتعلق بمحذوف، لأنه كان في الأصل صفة لأولياء، فلما تقدم نصب حالا، وإليه يميل تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فإنه قال: "أي لا تتولوا من دونه من شياطين الإنس والجن فيحملوكم على الأهواء والبدع". والضمير في "دونه" يحتمل وهو الظاهر أن يعود على "ربكم"; ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: "من دون الله"، وأن يعود على "ما" الموصولة، وأن يعود على الكتاب المنزل،
[ ص: 246 ] والمعنى: لا تعدلوا عنه إلى الكتب المنسوخة. وقرأ
الجحدري: "ابتغوا" بالغين المعجمة من الابتغاء.
nindex.php?page=showalam&ids=16871ومالك بن دينار nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد: "ولا تبتغوا" من الابتغاء أيضا.
قوله:
قليلا ما تذكرون قد تقدم نظير هذا في قوله تعالى:
فقليلا ما يؤمنون وهو أن "قليلا" نعت مصدر محذوف أي: تذكرا قليلا تذكرون، أو نعت ظرف زمان محذوف أيضا أي: زمانا قليلا تذكرون، فالمصدر أو الظرف منصوب بالفعل بعده، و "ما" مزيدة للتوكيد، وهذا إعراب جلي واضح. وقد أجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي أن يكون نعت مصدر محذوف لقوله
"ولا تتبعوا" أي: ولا تتبعوا من دونه أولياء اتباعا قليلا، وهو ضعيف، لأنه يصير مفهومه أنهم غير منهيين عن اتباع الكثير، ولكنه معلوم من جهة المعنى فلا مفهوم له.
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبي علي: أن "ما" مصدرية موصولة بالفعل بعدها، واقتصر على هذا القدر، ولا بد من تتمة له، فقال بعض الناس: ويكون "قليلا" نعت زمان محذوف، وذلك الزمان المحذوف في محل رفع خبرا مقدما، و "ما" المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر مبتدأ مؤخرا، والتقدير: زمنا قليلا تذكركم أي: أنهم لا يقع تذكرهم إلا في بعض الأحيان، ونظيره: زمنا قليلا قيامك. وقد قيل: إن "ما" هذه نافية، وهو بعيد; لأن "ما" لا يعمل ما بعدها فيما قبلها عند البصريين، وعلى تقدير تسليم ذلك فيصير المعنى: ما تذكرون قليلا، وليس بطائل، وهذا كما سيأتي في قوله تعالى:
كانوا قليلا من الليل ما يهجعون عند من جعلها نافية.
[ ص: 247 ] وهناك وجه لا يمكن أن يأتي هاهنا وهو: أن تكون "ما" مصدرية، وهي وما بعدها في محل رفع بالفاعلية بـ "قليلا" الذي هو خبر "كان"، والتقدير: كانوا قليلا هجوعهم، وأما هنا فلا يمكن ذلك لعدم صحة نصب "قليلا" بقوله: "ولا تتبعوا" حتى تجعل "ما تذكرون" مرفوعا به.
ولا يجوز أن يكون "قليلا" حالا من فاعل "تتبعوا" و "ما تذكرون" مرفوع به، إذ يصير المعنى: أنهم نهوا عن الاتباع في حال قلة تذكرهم، وليس ذلك بمراد.
وقرأ الأخوان
وحفص: "تذكرون" بتاء واحدة وتخفيف الذال،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر بتاءين وتخفيف الذال، والباقون بتاء وتشديد الذال، وهن واضحات، تقدم معناها في الأنعام.