صفحة جزء
آ. (131) قوله تعالى: فإذا جاءتهم الحسنة : أتى في جانب الحسنة بـ "إذا" التي للمحقق. وعرفت الحسنة لسعة رحمة الله تعالى، ولأنها [ ص: 428 ] أمر محبوب، كل أحد يتمناه، وأتى في جانب السيئة بـ "إن" التي للمشكوك فيه، ونكرت السيئة لأنه أمر كل أحد يحذره. وقد أوضح الزمخشري ذلك فقال: فإن قلت: كيف قيل فإذا جاءتهم الحسنة بـ "إذا "وتعريف الحسنة، و وإن تصبهم سيئة بـ "إن" وتنكير السيئة؟ قلت: لأن جنس وقوعه كالواجب واتساعه، وأما السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا شيء منها. انتهى. وهذا من محاسن علم البيان.

قوله: يطيروا الأصل: يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء لمقاربتها لها. وقرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف: "تطيروا" بتاء من فوق على أنه فعل ماض وهو عند سيبويه وأتباعه ضرورة، إذ لا يقع فعل الشرط مضارعا والجزاء ماضيا إلا ضرورة كقوله:


2270 - من يكدني بسيئ كنت منه كالشجا بين حلقه والوريد



وقوله:


2271 - وإن يروا سبة طاروا بها فرحا     مني وما سمعوا من صالح دفنوا



وقد تقدم الخلاف في ذلك فأغنى عن إعادته.

والتطير: التشاؤم وأصله أن يفرق المال ويطير بين القوم، فيطير لكل [ ص: 429 ] أحد حظه وما يخصه، ثم أطلق على الحظ والنصيب السيئ بالغلبة، وأنشدوا للبيد:


2272 - تطير عدائد الأشراك شفعا     ووترا والزعامة للغلام



الأشراك: جمع شرك وهو النصيب، أي: طار المال المقسوم شفعا للذكر ووترا للأنثى. والزعامة: أي: الرئاسة للذكر، فهذا معناه تفرق، وصار لكل أحد نصيبه، وليس من الشؤم في شيء، ثم غلب على ما ذكرت لك. ومعنى طائرهم عند الله أي: حظهم وما طار لهم في القضاء والقدر، أو شؤمهم، أي: سبب شؤمهم عند الله وهو ما ينزله بهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية