واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ [ ص: 101 ] من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون
قوله تعالى : "
واصنع الفلك " أي : واعمل السفينة
وفي قوله : "
بأعيننا " ثلاثة أقوال :
أحدها : بمرأى منا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني بحفظنا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع .
والثالث : بعلمنا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : إنما جمع على مذهب
العرب في إيقاعها الجمع على الواحد ، تقول : خرجنا إلى
البصرة في السفن ، وإنما جمع ، لأن من عادة الملك أن يقول : أمرنا ونهينا .
وفي قوله : "
ووحينا " قولان :
أحدهما : وأمرنا لك أن تصنعها . والثاني : وبتعليمنا إياك كيف تصنعها .
قوله تعالى : "
ولا تخاطبني في الذين ظلموا " فيه قولان :
أحدهما : لا تسألني الصفح عنهم . والثاني : لا تخاطبني في إمهالهم . وإنما نهي عن الخطاب في ذلك صيانة له عن سؤال لا يجاب فيه .
الإشارة إلى كيفية عمل السفينة
روى
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : كان
نوح يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته ، يرون أنه قد مات ، ثم يخرج فيدعوهم . حتى إذا يئس من إيمان قومه ، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصا ، فقال : يا بني انظر هذا الشيخ لا يغررك ، قال : ياأبت أمكني من العصا ، فأخذها فضربه ضربة شجه
[ ص: 102 ] موضحة ، وسالت الدماء على وجهه ، فقال : رب قد ترى ما يفعل بي عبادك ، فإن يكن لك فيهم حاجة فاهدهم ، وإلا فصبرني إلى أن تحكم ، فأوحى الله إليه " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " إلى قوله : " واصنع الفلك " ، قال : يارب ، وما الفلك ؟ قال : بيت من خشب يجري على وجه الماء أنجي فيه أهل طاعتي ، وأغرق أهل معصيتي ، قال : يارب ، وأين الماء ؟ قال : إني على ما أشاء قدير ، قال : يارب ، وأين الخشب ؟ قال : اغرس الشجر ، فغرس الساج عشرين سنة ، وكف عن دعائهم ، وكفوا عنه ، إلا أنهم يستهزئون به ، فلما أدرك الشجر ، أمره ربه ، فقطعه وجففه ولفقه ، فقال : يارب ، كيف أتخذ هذا البيت ؟ قال : اجعله على ثلاث صور ، رأسه كرأس الطاووس ، وجؤجؤه كجؤجؤ الطائر ، وذنبه كذنب الديك ، واجعلها مطبقة ، وبعث الله إليه جبريل يعلمه ، وأوحى إليه أن عجل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على من عصاني ، فاستأجر نجارين يعملون معه ، وسام ، وحام ، ويافث ، معه ينحتون السفينة ، فجعل طولها ستمائة ذراع ، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا ، وعلوها ثلاثا وثلاثين ، وفجر الله له عين القار تغلي غليانا حتى طلاها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : جعل لها ثلاث بطون ، فحمل في البطن الأول الوحوش والسباع والهوام ، وفي الأوسط الدواب والأنعام ، وركب هو ومن معه البطن الأعلى . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنه قال : كانت سفينة
نوح طولها ألف ذراع ، ومائتا ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : كانت
[ ص: 103 ] فيما ذكر لنا طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسمائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : كان طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ومائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ، وكان في أعلاها الطير ، وفي وسطها الناس ، وفي أسفلها السباع . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل أنه عمل السفينة في أربعمائة سنة .
قوله تعالى : "
وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " فيه قولان :
أحدهما : أنهم رأوه يبني السفينة وما رأوا سفينة قط ، فكانوا يسخرون ويقولون : صرت بعد النبوة نجارا ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق .
والثاني : أنهم قالوا له : ما تصنع ؟ فقال : أبني بيتا يمشي على الماء ، فسخروا من قوله ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
وفي قوله : "
إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم " خمسة أقوال :
أحدها : إن تسخروا من قولنا فإنا نسخر من غفلتكم .
والثاني : إن تسخروا من فعلنا عند بناء السفينة ، فإنا نسخر منكم عند الغرق ، ذكره المفسرون .
والثالث : إن تسخروا منا في الدنيا ، فإنا نسخر منكم في الآخرة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
والرابع : إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
والخامس : إن تسخروا منا ، فإنا نستنصر الله عليكم ، فسمى هذا سخرية ، ليتفق اللفظان كما بينا في قوله :
الله يستهزئ بهم [البقرة :15] ، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر ، فلذلك سخروا منه ، وإنما مياه البحار بقية الطوفان .