وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين
قوله تعالى : "
وقيل يا أرض ابلعي ماءك " وقف قوم على ظاهر الآية ، وقالوا : إنما ابتلعت ما نبع منها ، ولم تبتلع ماء السماء ، فصار ذلك بحارا وأنهارا ، وهو معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وذهب آخرون إلى أن المراد : ابلعي ماءك الذي عليك ، وهو ما نبع من الأرض ونزل من السماء ، وذلك بعد أن غرق ما على وجه الأرض .
قوله تعالى : "
ويا سماء أقلعي " أي : أمسكي عن إنزال الماء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : لما تقدم ذكر الماء ، علم أن المعنى : أقلعي عن إنزال الماء .
قوله تعالى : "
وغيض الماء " أي : نقص . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : يقال غاض الماء يغيض : إذا غاب في الأرض . ويجوز إشمام الضم في الغين .
قوله تعالى : "
وقضي الأمر " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : غرق من غرق ، ونجا من نجا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : قضي الأمر : هلاك قوم
نوح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : " وقضي
[ ص: 112 ] الأمر " أي : فرغ منه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : والمعنى : أحكمت هلكة قوم
نوح ، فلما دلت القصة على ما يبين هلكتهم ، أغنى عن نعت الأمر .
قوله تعالى : "
واستوت " يعني السفينة "
على الجودي " وهو اسم جبل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة : " على الجودي " بسكون الياء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : وتشديد الياء في " الجودي " لأنها ياء النسبة ، فهي كالياء في علوي ، وهاشمي . وقد خففها بعض القراء ، ومن
العرب من يخفف ياء النسبة ، فيسكنها في الرفع ، والخفض ، ويفتحها في النصب ، فيقول : قام زيد العلوي ، ورأيت زيدا العلوي .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : دارت السفينة بالبيت أربعين يوما ، ثم وجهها الله إلى
الجودي فاستقرت عليه .
واختلفوا أين هذا الجبل على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه
بالموصل ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك .
والثاني : بالجزيرة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل : هو بالجزيرة قريب من
الموصل .
والثالث : أنه بناحية
آمد ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
وفي علة استوائها عليه قولان :
أحدهما : أنه لم يغرق ، لأن الجبال تشامخت يومئذ وتطاولت ، وتواضع هو فلم يغرق ، فأرست عليه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
والثاني : أنه لما قل الماء أرست عليه ، فكان استواؤها عليه دلالة على قلة الماء .
قوله تعالى : "
وقيل بعدا للقوم الظالمين " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : بعدا من رحمة الله للقوم الكافرين .
[ ص: 113 ] فإن قيل : ما ذنب من أغرق من البهائم والأطفال ؟
فالجواب : أن آجالهم حضرت ، فأميتوا بالغرق ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج .
قوله تعالى : "
رب إن ابني من أهلي " إنما قال
نوح هذا ، لأن الله تعالى وعده نجاة أهله ، فقال : "
وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أعدل العادلين . وقال
ابن زيد : فأنت أحكم الحاكمين بالحق .
واختلفوا في هذا الذي سأل فيه
نوح على قولين :
أحدهما : أنه ابن
نوح لصلبه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ، والجمهور .
والثاني : أنه ولد على فراشه لغير رشدة ولم يكن ابنه . روى
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنه قال : لم يكن ابنه ، إن امرأته فجرت . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال : لم يكن ابنه ، إن امرأته خانته ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد نحو ذلك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : ناداه
نوح وهو يحسب أنه ابنه ، وكان ولد على فراشه . فعلى القول الأول ، يكون في معنى قوله : "
إنه ليس من أهلك " قولان :
أحدهما : ليس من أهل دينك .
والثاني : ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، وإنما المعنى : ليس من أهلك الذين وعدتك نجاتهم . وعلى القول
[ ص: 114 ] الآخر : الكلام على ظاهره ، والأول أصح ، لموافقته ظاهر القرآن ، ولاجتماع الأكثرين عليه ، وهو أولى من رمي زوجة نبي بفاحشة .
قوله تعالى : "
إنه عمل غير صالح " قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة : "
إنه عمل " رفع منون "
غير صالح " برفع الراء ، وفيه قولان :
أحدهما : أنه يرجع إلى السؤال فيه ، فالمعنى : سؤلك إياي فيه عمل غير صالح ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، وهذا ظاهر ، لأنه قد تقدم السؤال فيه في قوله : "
رب إن ابني من أهلي " فرجعت الكناية إليه .
والثاني : أنه يرجع إلى المسؤول فيه .
وفي هذا المعنى قولان : أحدهما : أنه لغير رشدة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . والثاني : أن المعنى : إنه ذو عمل غير صالح ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : من قال : هو لغير رشدة ، قال : المعنى : إن أصل ابنك الذي تظن أنه ابنك عمل غير صالح . ومن قال : إنه ذو عمل غير صالح ، قال : حذف المضاف ، وأقام العمل مقامه ، كما تقول
العرب : عبد الله إقبال وإدبار ، أي : صاحب إقبال وإدبار . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : " عمل " بكسر الميم وفتح اللام " غير صالح " بفتح الراء ، يشير إلى أنه مشرك .
قوله تعالى : "
فلا تسألني ما ليس لك به علم " قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر : " فلا تسألن " بفتح اللام ، وتشديد النون ، غير أن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافعا ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ، كسرا النون ، وفتحها
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ، وحذفوا الياء في الوصل والوقف . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، بسكون اللام وتخفيف النون ، غير أن
أبا عمرو ،
[ ص: 115 ] وأبا جعفر ، أثبتا الياء في الوصل ، وحذفاها في الوقف ، ووقف عليها
يعقوب بالياء ، والباقون يحذفونها في الحالين . قال
أبو علي : من كسر النون ، فقد عدى السؤال إلى مفعولين ، أحدهما : اسم المتكلم ، والآخر : الاسم الموصول ، وحذفت النون المتصلة بياء المتكلم لاجتماع النونات . وأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل ، وحذفها أخف ، والكسرة تدل عليها ، وتعلم أن المفعول مراد في المعنى .
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه نسبته إليه ، وليس منه .
والثاني : في إدخاله إياه في جملة أهله الذين وعده نجاتهم .
والثالث : سؤاله في إنجاء كافر من العذاب .
قوله تعالى : "
إني أعظك أن تكون من الجاهلين " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن تكون من الجاهلين في سؤالك من ليس من حزبك .
والثاني : من الجاهلين بوعدي ، لأني وعدت بإنجاء المؤمنين .
والثالث : من الجاهلين بنسبك ، لأنه ليس من أهلك .