يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق [ ص: 158 ] خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ
قوله تعالى : "
يوم يأت " قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : " يوم يأتي " بياء في الوصل ، وحذفوها في الوقف ; غير أن
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير كان يقف بالياء ، ويصل بالياء . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة بغير ياء في الوصل والوقف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : الذي يختاره النحويون " يوم يأتي " بإثبات الياء ، والذي في المصحف وعليه أكثر القراءات بكسر التاء ،
وهذيل تستعمل حذف هذه الياءات كثيرا . وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل ،
nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه ، أن
العرب تقول : لا أدر ، فتحذف الياء ، وتجتزئ بالكسرة ويزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : كل ياء ساكنة وما قبلها مكسور ، أو واو ساكنة وما قبلها مضموم ، فإن
العرب تحذفها وتجتزئ بالكسرة من الياء ، وبالضمة من الواو ، وأنشدني بعضهم :
كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
قال المفسرون : وقوله : " يوم يأتي " يعني : يأتي ذلك اليوم ، لا تكلم نفس إلا بإذن الله ، فكل الخلائق ساكتون ، إلا من أذن الله له في الكلام . وقيل : المراد بهذا الكلام الشفاعة .
قوله تعالى : "
فمنهم شقي " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : منهم من كتبت عليه الشقاوة ، ومنهم من كتبت له السعادة .
قوله تعالى : "
لهم فيها زفير وشهيق " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الزفير كزفير الحمار في الصدر ، وهو أول ما ينهق ، والشهيق كشهيق الحمار في الحلق ، وهو آخر ما يفرغ من نهيقه ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن [ ص: 159 ] عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل ،
nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : الزفير : شديد الأنين وقبيحه ، والشهيق : الأنين الشديد المرتفع جدا ، وهما من أصوات المكروبين . وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق ، والشهيق بمنزلة آخر صوته في النهيق .
والثاني : أن الزفير في الحلق ، والشهيق في الصدور ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس . وفي رواية أخرى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الزفير : الصوت الشديد ، والشهيق : الصوت الضعيف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : الشهيق ضد الزفير ، لأن الشهيق رد النفس ، والزفير إخراج النفس . وقال غيره : الزفير : الشديد ، مأخوذ من الزفر ، وهو الحمل على الظهر لشدته ; والشهيق : النفس الطويل الممتد ، مأخوذ من قولهم : جبل شاهق ، أي : طويل .
والثالث : أن الزفير زفير الحمار ، والشهيق شهيق البغال ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب .
قوله تعالى : "
خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض " المعروف فيه قولان :
أحدهما : أنها السموات المعروفة عندنا ، والأرض المعروفة ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري :
للعرب في معنى الأبد ألفاظ ; تقول : لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار ، وما دامت السموات والأرض ، وما اختلفت الجرة والدرة ، وما أطت الإبل ، في أشباه لهذا كثيرة ، ظنا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير ، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم .
[ ص: 160 ] والثاني : أنها سماوات الجنة والنار وأرضهما .
قوله تعالى : "
إلا ما شاء ربك " في الاستثناء المذكور في حق أهل النار سبعة أقوال :
أحدها : أن الاستثناء في حق الموحدين الذين يخرجون بالشفاعة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك .
والثاني : أنه استثناء لا يفعله ، تقول : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك ، وعزيمتك على ضربه ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء ، وهو معنى قول
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "
إلا ما شاء ربك " قال : فقد شاء أن يخلدوا فيها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وفائدة هذا ، أنه لو شاء أن يرحمهم لرحمهم ، ولكنه أعلمنا أنهم خالدون أبدا .
والثالث : أن المعنى : خالدين فيها أبدا ، غير أن الله تعالى يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم ، ثم يجدد خلقهم ، فيرجع الاستثناء إلى تلك الحال ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
والرابع : أن " إلا " بمعنى " سوى " تقول : لو كان معنا رجل إلا زيد أي : سوى زيد ; فالمعنى : خالدين فيها مقدار دوام السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود والزيادة ، وهذا اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : ومثله في الكلام أن تقول : لأسكننك في هذه الدار حولا إلا ما شئت ; تريد : سوى ما شئت أن أزيدك .
والخامس : أنهم إذا حشروا وبعثوا ، فهم في شروط القيامة ; فالاستثناء واقع في الخلود بمقدار موقفهم في الحساب ، فالمعنى : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا مقدار موقفهم للمحاسبة ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13471ابن كيسان : الاستثناء يعود إلى مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : فالمعنى : خالدين في النار وخالدين في الجنة دوام السماء والأرض إلا ما شاء ربك
[ ص: 161 ] من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك ، فكأنه جعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد على ما كانت العرب تستعمل ، وإن كانتا قد تتغيران . واستثنى المشيئة من دوامهما ، لأن أهل الجنة والنار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا ، لا في الجنة ، ولا في النار .
والسادس : أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيرا وشهيقا ، إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تذكر ; وكذلك لأهل الجنة نعيم مما ذكر ، ولهم مما لم يذكر ما شاء ربك ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أيضا .
والسابع : أن " إلا " بمعنى " كما " ومنه قوله :
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف [النساء :22] ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي .
فأما الاستثناء في حق أهل الجنة ، ففيه ستة أقوال :
أحدها : أنه استثناء لا يفعله . والثاني : أن " إلا " بمعنى " سوى " . والثالث: أنه يرجع إلى وقوفهم للحساب ولبثهم في القبور . والرابع : أنه بمعنى : إلا ما شاء أن يزيدهم من النعيم الذي لم يذكر . والخامس : أن " إلا " بمعنى " كما " ، وهذه الأقوال قد سبق شرحها . والسادس : أن الاستثناء يرجع إلى لبث من لبث في النار من الموحدين ، ثم أدخل الجنة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : فيكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار ، فكأنه قال : إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين إلى الجنة ، وخالدين في الجنة إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة .
واختلف القراء في " سعدوا " فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
وابن [ ص: 162 ] عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : " سعدوا " بفتح السين . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وحفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : بضمها ، وهما لغتان .
قوله تعالى : "
عطاء غير مجذوذ " نصب عطاء بما دل عليه الكلام ، كأنه قال : أعطاهم النعيم عطاء . والمجذوذ : المقطوع ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : يقال جذذت ، وجددت ، وجذفت ، وجدفت : إذا قطعت .