ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين
قوله تعالى : "
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " قال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل : " ذلك " بمعنى هذا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : قال اللغويون هذا وذلك يصلحان في هذا الموضع وأشباهه ، لقرب الخبر من أصحابه ، فصار كالمشاهد الذي يشار إليه بهذا ، ولما كان متقضيا ، أمكن أن يشار إليه بذلك ، لأن المتقضي كالغائب .
واختلفوا في القائل لهذا على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه
يوسف ، وهو من أغمض ما يأتي من الكلام أن تحكي عن شخص شيئا ثم تصله بالحكاية عن آخر ، ونظير هذا قوله :
يريد أن يخرجكم من أرضكم [الأعراف :110] هذا قول الملإ "
فماذا تأمرون " قول
فرعون ومثله
وجعلوا أعزة أهلها أذلة [النمل :34] هذا قول
بلقيس "
وكذلك يفعلون " قول الله تعالى . ومثله
من بعثنا من مرقدنا [يس :52] هذا قول الكفار ، فقالت الملائكة : "
هذا ما وعد الرحمن " وإنما يجوز مثل هذا في الكلام ، لظهور الدلالة على المعنى .
[ ص: 239 ] واختلفوا ، أين قال
يوسف هذا ؟ على قولين :
أحدهما أنه لما رجع الساقي إلى
يوسف فأخبره وهو في السجن بجواب امرأة
العزيز والنسوة للملك ، قال حينئذ : "
ذلك ليعلم " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج .
والثاني : أنه قاله بعد حضوره مجلس الملك ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
قوله تعالى : "
ذلك ليعلم " أي : ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك ليعلم .
واختلفوا في المشار إليه بقوله : "
ليعلم " وقوله "
لم أخنه " على أربعة أقوال :
أحدها : أنه
العزيز ، والمعنى : ليعلم
العزيز أني لم أخنه في امرأته "
بالغيب " أي : إذا غاب عني ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، والجمهور .
والثاني : أن المشار إليه بقوله : "
ليعلم " الملك ، والمشار إليه بقوله : "
لم أخنه "
العزيز ، والمعنى : ليعلم الملك أني لم أخن
العزيز في أهله بالغيب ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثالث : أن المشار إليه بالشيئين ، الملك ، فالمعنى : ليعلم الملك أني لم أخنه ، يعني الملك أيضا ، بالغيب .
وفي وجه خيانة الملك في ذلك قولان :
أحدهما : لكون
العزيز وزيره ، فالمعنى : لم أخنه في امرأة وزيره ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري .
والثاني : لم أخنه في بنت أخته ، وكانت
أزليخا بنت أخت الملك ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12033أبو سليمان الدمشقي .
[ ص: 240 ] والرابع : أن المشار إليه بقوله : "
ليعلم " الله ، فالمعنى ليعلم الله أني لم أخنه ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : نسب العلم إلى الله في الظاهر ، وهو في المعنى للمخلوقين ، كقوله :
حتى نعلم المجاهدين منكم [محمد :31] .
فإن قيل : إن كان
يوسف قال هذا في مجلس الملك ، فكيف قال : " ليعلم " ولم يقل : لتعلم ، وهو يخاطبه ؟
فالجواب : أنا إن قلنا : إنه كان حاضرا عند الملك ، فإنما آثر الخطاب بالياء توقيرا للملك ، كما يقول الرجل للوزير : إن رأى الوزير أن يوقع في قصتي . وإن قلنا : إنه كان غائبا ، فلا وجه لدخول التاء ، وكذلك إن قلنا : إنه عنى
العزيز ،
والعزيز غائب عن مجلس الملك حينئذ .
والقول الثاني : أنه قول
امرأة العزيز ، فعلى هذا يتصل بما قبله ، والمعنى : ليعلم
يوسف أني لم أخنه في غيبته الآن بالكذب عليه .
والثالث : أنه قول
العزيز ، والمعنى : ليعلم
يوسف أني لم أخنه بالغيب ، فلم أغفل عن مجازاته على أمانته ، حكى القولين
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي .
قوله تعالى : "
وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا يصوب عمل الزناة ، وقال غيره : لا يرشد من خان أمانته ويفضحه في عاقبته .