والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين
قوله تعالى : "
والأرض مددناها " أي : بسطناها على وجه الماء "
وألقينا فيها رواسي " وهي الجبال الثوابت "
وأنبتنا فيها " في المشار إليه قولان :
أحدهما : أنها الأرض ، قاله الأكثرون . والثاني : الجبال ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء .
[ ص: 391 ] وفي قوله : "
من كل شيء موزون " قولان :
أحدهما : أن الموزون : المعلوم ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة في آخرين : الموزون : المقدور . فعلى هذا يكون المعنى : معلوم القدر كأنه قد وزن ، لأن أهل الدنيا لما كانوا يعلمون قدر الشيء بوزنه ، أخبر الله تعالى عن هذا أنه معلوم القدر عنده بأنه موزون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى : أنه جرى على وزن من قدر الله تعالى ، لا يجاوز ما قدره الله تعالى عليه ، ولا يستطيع خلق زيادة فيه ولا نقصانا .
والثاني : أنه عنى به الشيء الذي يوزن كالذهب ، والفضة ، والرصاص ، والحديد ، والكحل ، ونحو ذلك ، وهذا المعنى مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد ،
وابن السائب ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء .
قوله تعالى : "
وجعلنا لكم فيها معايش " في المشار إليهما قولان :
أحدهما : أنها الأرض .
والثاني : أنها الأشياء التي أنبتت . والمعايش جمع معيشة . والمعنى : جعلنا لكم فيها أرزاقا تعيشون بها .
وفي قوله تعالى : "
ومن لستم له برازقين " أربعة أقوال :
أحدها : أنه الدواب والأنعام ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
والثاني : الوحوش ، رواه
منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : الوحش ، والطير ، والسباع ، وأشباه ذلك مما لا يرزقه ابن
آدم .
والثالث : العبيد والإماء ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء .
والرابع : العبيد ، والأنعام ، والدواب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : و " من "
[ ص: 392 ] في موضع نصب ، فالمعنى : جعلنا لكم فيها المعايش ، والعبيد ، والإماء . ويقال : إنها في موضع خفض ، فالمعنى : جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى : جعلنا لكم الدواب ، والعبيد ، وكفيتم مؤونة أرزاقها .
فإن قيل : كيف قلتم : إن " من " هاهنا للوحوش والدواب ، وإنما تكون لمن يعقل ؟
فالجواب : أنه لما وصفت الوحوش وغيرها بالمعاش الذي الغالب عليه أن يوصف به الناس ، فيقال : للآدمي معاش ، ولا يقال : للفرس معاش ، جرت مجرى الناس ، كما قال :
يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم [النمل :18] ، وقال :
رأيتهم لي ساجدين [يوسف :4] ، وقال :
كل في فلك يسبحون [الأنبياء :33] ، وإن قلنا : أريد به العبيد ، والوحوش ، فإنه إذا اجتمع الناس وغيرهم غلب الناس على غيرهم ، لفضيلة العقل والتمييز .