وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا .
قوله تعالى: "
وقضينا إلى بني إسرائيل " فيه قولان:
أحدهما: أخبرناهم، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني: قضينا عليهم، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة، فعلى الأول تكون " إلى " على أصلها، ويكون الكتاب: التوراة، وعلى الثاني تكون " إلى " بمعنى " على " ، ويكون الكتاب: الذكر الأول .
قوله تعالى: "
لتفسدن في الأرض " ، يعني: أرض
مصر " مرتين " بالمعاصي ومخالفة التوراة .
وفي من قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان:
أحدهما:
زكريا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن أشياخه .
[ ص: 8 ]
والثاني:
شعيا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق . فأما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني فهو
يحيى بن زكريا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: كان بين الفسادين مئتا سنة وعشر سنين . فأما السبب في قتلهم
زكريا، فإنهم اتهموه
بمريم، وقالوا: منه حملت، فهرب منهم، فانفتحت له شجرة، فدخل فيها وبقي من ردائه هدب، فجاءهم الشيطان فدلهم عليه، فقطعوا الشجرة بالمنشار وهو فيها . وأما السبب في قتلهم
شعيا، فهو أنه قام فيهم برسالة من الله ينهاهم عن المعاصي . وقيل: هو الذي هرب منهم فدخل في الشجرة حتى قطعوه بالمنشار، وأن
زكريا مات حتف أنفه . وأما السبب في قتلهم
يحيى بن زكريا ففيه قولان:
أحدهما: أن ملكهم أراد نكاح امرأة لا تحل له، فنهاه عنها
يحيى . ثم فيها أربعة أقوال: أحدها: أنها ابنة أخيه، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني: ابنته، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير . والثالث: أنها امرأة أخيه، وكان ذلك لا يصلح عندهم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين بن علي عليهما السلام . والرابع: ابنة امرأته، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن أشياخه، وذكر أن السبب في ذلك: أن ملك بني إسرائيل هوي بنت امرأته، فسأل
يحيى عن نكاحها فنهاه، فحنقت أمها على
يحيى حين نهاه أن يتزوج ابنتها، وعمدت إلى ابنتها فزينتها وأرسلتها إلى الملك حين جلس على شرابه، وأمرتها أن تسقيه، وأن تعرض له، فإن أرادها على نفسها، أبت حتى يؤتى برأس
يحيى بن زكريا في طست، ففعلت ذلك، فقال: ويحك سليني غير هذا، فقالت: ما أريد إلا هذا، فأمر، فأتي برأسه والرأس يتكلم ويقول: لا تحل لك، لا تحل لك .
والقول الثاني: أن امرأة الملك رأت
يحيى عليه السلام، وكان قد أعطي حسنا وجمالا، فأرادته على نفسه فأبى، فقالت لابنتها: سلي أباك رأس
يحيى، فأعطاها
[ ص: 9 ] ما سألت، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس . قال العلماء بالسير: ما زال دم
يحيى يغلي حتى قتل عليه من بني إسرائيل سبعون ألفا فسكن، وقيل: لم يسكن حتى جاء قاتله، فقال: أنا قتلته، فقتل، فسكن .
قوله تعالى: "
ولتعلن علوا كبيرا " ; أي: لتعظمن عن الطاعة ولتبغن .
قوله تعالى: "
فإذا جاء وعد أولاهما " ; أي: عقوبة أولى المرتين "
بعثنا " ; أي: أرسلنا "
عليكم عبادا لنا " ، وفيهم خمسة أقوال:
أحدها: أنهم
جالوت وجنوده، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة . والثاني: (
بختنصر ) ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج . والثالث العمالقة، وكانوا كفارا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . والرابع:
سنحاريب، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير . والخامس: قوم من أهل
فارس، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . وقال
ابن زيد: سلط [ الله ] عليهم سابور ذا الأكتاف من ملوك
فارس .
قوله تعالى: "
أولي بأس شديد " ; أي: ذوي عدد وقوة في القتال .
وفي قوله: "
فجاسوا خلال الديار " ثلاثة أقوال:
أحدها: مشوا بين منازلهم، قاله
ابن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: يتجسسون أخبارهم، ولم يكن قتال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: طافوا خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه . و( الجوس ) : طلب الشيء باستقصاء .
والثاني: قتلوهم بين بيوتهم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء nindex.php?page=showalam&ids=12078وأبو عبيدة . [ ص: 10 ]
والثالث: عاثوا وأفسدوا، يقال: جاسوا وحاسوا، فهم يجوسون ويحوسون إذا فعلوا ذلك، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة .
فأما الخلال: فهي جمع خلل، وهو الانفراج بين الشيئين . وقرأ
أبو رزين، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=11904وأبو المتوكل: ( خلل الديار ) بفتح الخاء واللام من غير ألف . "
وكان وعدا مفعولا " ; أي: لا بد من كونه .
قوله تعالى: "
ثم رددنا لكم الكرة عليهم " ; أي: أظفرناكم بهم . والكرة معناها: الرجعة والدولة، وذلك حين قتل
داود جالوت وعاد ملكهم إليهم . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أن رجلا دعا على (
بختنصر ) ، فقتله الله وعاد ملكهم إليهم . وقيل: غزوا ملك
بابل فأخذوا ما كان في يده من المال والأسرى .
قوله تعالى: "
وجعلناكم أكثر نفيرا " ; أي: أكثر عددا وأنصارا منهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: النفير والنافر واحد، كما يقال: قدير وقادر، وأصله: من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته .