أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنـز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنـزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا .
قوله تعالى: "
فكانت لمساكين " في المراد بمسكنتهم قولان:
أحدهما: أنهم كانوا ضعفاء في أكسابهم . والثاني: في أبدانهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب: كانت لعشرة إخوة، خمسة زمنى، وخمسة يعملون في البحر .
قوله تعالى: "
فأردت أن أعيبها " ; أي: أجعلها ذات عيب، يعني: بخرقها، "
وكان وراءهم " فيه قولان:
أحدهما: أمامهم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=12078وأبو عبيدة، nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود: ( وكان أمامهم ملك ) .
والثاني: خلفهم، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: وهو أجود الوجهين، فيجوز أن يكون رجوعهم في طريقهم كان عليه، ولم يعلموا بخبره، فأعلم الله تعالى
الخضر خبره .
[ ص: 179 ]
قوله تعالى: "
يأخذ كل سفينة غصبا " ; أي: كل سفينة صالحة . وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي [ بن كعب ]: ( كل سفينة صحيحة ) . قال
الخضر: إنما خرقتها ; لأن الملك إذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلها فانتفعوا بها .
قوله تعالى: "
وأما الغلام " روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يقرأ: ( وأما الغلام فكان كافرا ) . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661819إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14354الربيع بن أنس: كان الغلام على الطريق لا يمر به أحد إلا قتله أو غصبه، فيدعو ذلك عليه وعلى أبويه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب: كان الغلام لصا، فإذا جاء من يطلبه حلف أبواه أنه لم يفعل .
قوله تعالى: "
فخشينا " في القائل لهذا قولان:
أحدهما: الله عز وجل . ثم في معنى الخشية المضافة إليه قولان: أحدهما: أنها بمعنى العلم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: معناه: فعلمنا . وقال
ابن عقيل: المعنى: فعلنا فعل الخاشي . والثاني: الكراهة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج .
والثاني: أنه
الخضر، فتكون الخشية بمعنى الخوف للأمر المتوهم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري . وقد استدل بعضهم على أنه من كلام
الخضر بقوله: "
فأردنا أن يبدلهما ربهما " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: المعنى: فأراد الله ; لأن لفظ الخبر عن الله تعالى هكذا أكثر من أن يحصى . ومعنى "
يرهقهما " : يحملهما على الرهق، وهو الجهل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: "
يرهقهما " : يغشيهما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير: خشينا
[ ص: 180 ] أن يحملهما حبه على أن يدخلا في دينه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: فرحا به حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فرضي امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره، خير له من قضائه فيما يحب .
قوله تعالى: "
فأردنا أن يبدلهما ربهما " قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم: ( أن يبدلهما ) بالتخفيف . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو بالتشديد .
قوله تعالى: "
خيرا منه زكاة " فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: دينا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني: عملا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل . والثالث: صلاحا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء .
قوله تعالى: "
وأقرب رحما " قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير، nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع، nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم، nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي: ( رحما ) ساكنة الحاء . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر: ( رحما ) مثقلة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو كالقراءتين . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء: ( رحما ) بفتح الراء وكسر الحاء .
وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: أوصل للرحم وأبر للوالدين، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: أقرب عطفا وأمس بالقرابة . ومعنى الرحم والرحم في اللغة: العطف والرحمة، قال الشاعر:
وكيف بظلم جارية ومنها اللين والرحم
والثاني: أقرب أن يرحما به، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء . وفيما بدلا به قولان:
[ ص: 181 ]
أحدهما: جارية، قاله الأكثرون . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، قال: أبدلهما به جارية ولدت سبعين نبيا .
والثاني: غلام مسلم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج .
قوله تعالى: "
وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة " يعني: القرية المذكورة في قوله: "
أتيا أهل قرية " ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: واسمهما:
أصرم وصريم .
قوله تعالى: "
وكان تحته كنز لهما " فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان ذهبا وفضة، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة: كان مالا .
والثاني: أنه كان لوحا من ذهب، فيه مكتوب: عجبا لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك، عجبا لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبا لمن يوقن بالرزق كيف يتعب، عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، أنا الله الذي لا إله إلا أنا،
محمد عبدي ورسولي ; وفي الشق الآخر: أنا الله لا إلا إلا أنا وحدي لا شريك لي، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه، والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: فسمي كنزا من جهة الذهب، وجعل اسمه هو المغلب .
والثالث: كنز علم، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: صحف فيها علم، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: فيكون المعنى على هذا القول: كان تحته مثل الكنز ; لأنه يتعجل من نفعه أفضل مما
[ ص: 182 ] ينال من الأموال . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: والمعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد، فمعناه: المال المدفون المدخر، فإذا لم يكن المال، قيل: عنده كنز علم، وله كنز فهم، والكنز هاهنا بالمال أشبه، وجائز أن يكون الكنز كان مالا، مكتوب فيه علم، على ما روي، فهو مال وعلم عظيم .
قوله تعالى: "
وكان أبوهما صالحا " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحا . وقال
جعفر بن محمد عليه السلام: كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: كان أبوهما ذا أمانة .
قوله تعالى: "
فأراد ربك " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: لما كان قوله: ( فأردت ) ( وأردنا ) كل واحد منهما يصلح أن يكون خبرا عن الله عز وجل وعن
الخضر، أتبعهما بما يحصر الإرادة عليه ويزيلها عن غيره، ويكشف البغية من اللفظتين الأوليين . وإنما قال: " فأردت، فأردنا، فأراد ربك " ; لأن العرب تؤثر اختلاف الكلام على اتفاقه مع تساوي المعاني ; لأنه أعذب على الألسن، وأحسن موقعا في الأسماع، فيقول الرجل: قال لي فلان كذا، وأنبأني بما كان، وخبرني بما نال . فأما " الأشد " فقد سبق ذكره في مواضع [ الأنعام: 152، ويوسف: 22، والإسراء: 34 ]، ولو أن
الخضر لم يقم الحائط لنقض، وأخذ ذلك الكنز قبل بلوغهما .
قوله تعالى: "
رحمة من ربك " ; أي: رحمهما الله بذلك . "
وما فعلته عن أمري " قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: كان عبدا مأمورا .
فأما قوله: "
تسطع " فإن استطاع واسطاع بمعنى واحد .
[ ص: 183 ]