ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننـزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا .
قوله تعالى : "
ويقول الإنسان " سبب نزولها أن
أبي بن خلف أخذ عظما
[ ص: 252 ] باليا ، فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ، ويقول : زعم لكم
محمد أن الله يبعثنا بعد أن نكون مثل هذا العظم البالي ، فنزلت هذه الآية ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه
الوليد بن المغيرة .
قوله تعالى : "
لسوف أخرج حيا " إن قيل : ظاهره ظاهر سؤال ، فأين جوابه ؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري :
أحدها : أن ظاهر الكلام استفهام ، ومعناه معنى جحد وإنكار ، تلخيصه : لست مبعوثا بعد الموت .
والثاني : أنه لما استفهم بهذا الكلام عن البعث ، أجابه الله عز وجل بقوله : "
أولا يذكر الإنسان " ، فهو مشتمل على معنى : نعم ، وأنت مبعوث .
والثالث : أن جواب سؤال هذا الكافر في ( يس : 78 ) عند قوله تعالى :
وضرب لنا مثلا ، ولا ينكر بعد الجواب ; لأن القرآن كله بمنزلة الرسالة الواحدة ، والسورتان مكيتان .
قوله تعالى : "
أولا يذكر الإنسان " قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بفتح الذال مشددة الكاف . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر : ( يذكر ) ساكنة الذال خفيفة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=11904وأبو المتوكل الناجي : ( أولا يتذكر الإنسان ) بياء وتاء . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12067وأبو عبد الرحمن السلمي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن : ( يذكر ) بياء من غير تاء ساكنة الذال مخففة مرفوعة الكاف ، والمعنى : أولا يتذكر هذا الجاحد أول خلقه ، فيستدل بالابتداء على الإعادة . "
فوربك لنحشرنهم " يعني : المكذبين بالبعث ، "
والشياطين " ; أي : مع الشياطين ، وذلك أن كل كافر يحشر مع شيطانه في سلسلة ، "
ثم لنحضرنهم [ ص: 253 ] حول جهنم " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل : أي : في جهنم ، وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون داخله ، تقول : جلس القوم حول البيت : إذا جلسوا داخله مطيفين به . وقيل : يجثون حولها قبل أن يدخلوها .
فأما قوله : "
جثيا " فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هو جمع جاث ، مثل : قاعد وقعود ، وهو منصوب على الحال ، والأصل ضم الجيم ، وجاء كسرها إتباعا لكسرة الثاء .
وللمفسرين في معناه خمسة أقوال :
أحدها : قعودا ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني : جماعات جماعات ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا . فعلى هذا هو جمع جثوة ، وهي المجموع من التراب والحجارة . والثالث : جثيا على الركب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج . والرابع : قياما ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12139أبو مالك . والخامس : قياما على ركبهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، وذلك لضيق المكان بهم .
قوله تعالى : "
لننزعن من كل شيعة " ; أي : لنأخذن من كل فرقة ، وأمة ، وأهل دين ، "
أيهم أشد على الرحمن عتيا " ; أي : أعظمهم له معصية ، والمعنى : أنه يبدأ بتعذيب الأعتى فالأعتى ، وبالأكابر جرما ، والرؤوس القادة في الشر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وفي رفع " أيهم " ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه على الاستئناف ، ولم تعمل "
لننزعن " شيئا ، هذا قول
يونس .
والثاني : أنه على معنى الذي يقال لهم : أيهم أشد على الرحمن عتيا ؟ قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . وقال : التأويل : لننزعن الذي من أجل عتوه ، يقال : أي هؤلاء أشد عتيا ؟ وأنشد
[ ص: 254 ] ولقد أبيت عن الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم
المعنى : أبيت بمنزلة الذي يقال له : لا هو حرج ولا محروم .
والثالث : أن "
أيهم " مبنية على الضم ; لأنها خالفت أخواتها ، فالمعنى : أيهم هو أفضل . وبيان خلافها لأخواتها أنك تقول : اضرب أيهم أفضل ، ولا يحسن : اضرب من أفضل ، حتى تقول : من هو أفضل ، ولا يحسن : كل ما أطيب ، حتى تقول : ما هو أطيب ، ولا خذ ما أفضل ، حتى تقول : الذي هو أفضل ; فلما خالفت ( ما ) ، و( من ) ، و( الذي ) بنيت على الضم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه .
قوله تعالى : "
هم أولى بها صليا " يعني : أن الأولى بها صليا الذين هم أشد عتيا ، فيبتدأ بهم قبل أتباعهم . و " صليا " منصوب على التفسير ، يقال : صلي النار يصلاها : إذا دخلها وقاسى حرها .
قوله تعالى : "
وإن منكم إلا واردها " في الكلام إضمار ، تقديره : وما منكم أحد إلا وهو واردها .
وفيمن عني بهذا الخطاب قولان :
أحدهما : أنه عام في حق المؤمن والكافر ، هذا قول الأكثرين . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : هذه الآية للكفار ، وأكثر الروايات عنه كالقول الأول . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : ووجه هذا أنه لما قال : "
لنحضرنهم " ، وقال : "
أيهم أشد [ ص: 255 ] على الرحمن عتيا " ، كان التقدير : وإن منهم ، فأبدلت الكاف من الهاء ، كما فعل في قوله :
إن هذا كان لكم جزاء [ الإنسان : 22 ] ، المعنى : كان لهم ; لأنه مردود على قوله :
وسقاهم ربهم [ الإنسان : 21 ] ، وقال الشاعر :
شطت مزار العاشقين فأصبحت عسرا علي طلابك ابنة مخرم
أراد : طلابها . وفي هذا الورود خمسة أقوال :
أحدها : أنه الدخول . روى
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=691699عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الورود : الدخول ، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار - أو قال : لجهنم - ضجيجا من بردهم " . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه سأله
نافع بن الأزرق عن هذه الآية ، فقال له : أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر أيخرجنا الله عز وجل منها أم لا ؟ فاحتج بقوله تعالى :
فأوردهم النار [ هود : 98 ] ، وبقوله تعالى :
أنتم لها واردون [ الأنبياء : 98 ] . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة يبكي ويقول : أنبئت أني وارد ، ولم أنبأ أني صادر . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : أن رجلا قال لأخيه : يا أخي هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال : نعم . قال : فهل أتاك أنك خارج منها . قال : لا . قال : ففيم الضحك ؟ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15802خالد بن معدان : إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ألم يعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم : بلى ، ولكن مررتم بها وهي خامدة .
وممن ذهب إلى أنه الدخول :
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن في رواية ،
وأبو مالك . [ ص: 256 ] وقد اعترض على أرباب هذا القول بأشياء ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج :
العرب تقول : وردت بلد كذا ، ووردت ماء كذا : إذا أشرفوا عليه، وإن لم يدخلوا ، ومنه قوله تعالى:
ولما ورد ماء مدين [ القصص : 33 ] ، والحجة القاطعة في هذا القول قوله تعالى:
أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها [ الأنبياء : 101 ، 102 ] ، وقال زهير :
فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم
أي : لما بلغن الماء قمن عليه .
قلت : وقد أجاب بعضهم عن هذه الحجج ، فقال : أما الآية الأولى ، فإن موسى لما أقام حتى استقى الماء وسقى الغنم ، كان بلبثه ومباشرته كأنه دخل ، وأما الآية الأخرى فإنها تضمنت الأخبار عن أهل الجنة حين كونهم فيها ، وحينئذ لا يسمعون حسيسها . وقد روينا آنفا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15802خالد بن معدان أنهم يمرون بها ولا يعلمون .
والثاني : أن الورود : الممر عليها ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم ، فأولهم كلمح البرق ، ثم كالريح ، ثم كحضر الفرس ، [ ثم كالراكب في رحله ] ، ثم كشد الرحل ، ثم كمشيه .
والثالث : أن ورودها : حضورها ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير .
والرابع : أن ورود المسلمين : المرور على الجسر ، وورود المشركين : دخولها ، قاله
ابن زيد .
[ ص: 257 ]
والخامس : أن ورود المؤمن إليها : ما يصيبه من الحمى في الدنيا ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=16545عثمان بن الأسود عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قال : الحمى حظ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : " وإن منكم إلا واردها " ; فعلى هذا من حم من المسلمين فقد وردها .
قوله تعالى : "
كان على ربك " يعني : الورود ، "
حتما " والحتم : إيجاب القضاء والقطع بالأمر . والمقضي : الذي قضاه الله تعالى ، والمعنى : أنه حتم ذلك وقضاه على الخلق .
قوله تعالى : "
ثم ننجي الذين اتقوا " وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
وأبو مجلز ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344وابن يعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ،
وعاصم الجحدري : ( ثم ) بفتح الثاء . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ويعقوب : ( ننجي ) مخففة . وقرأت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ،
وأبو بحرية ، [
nindex.php?page=showalam&ids=11838وأبو الجوزاء الربعي : ( ثم ينجي ) بياء مرفوعة قبل النون خفيفة الجيم مكسورة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ] ،
وأبو مجلز ،
وابن السميفع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء : ( ننحي ) بحاء غير معجمة مشددة . وهذه الآية يحتج بها القائلون بدخول جميع الخلق ; لأن النجاة : تخليص الواقع في الشيء ، ويؤكده قوله تعالى: "
ونذر الظالمين فيها " ، ولم يقل : وندخلهم ، وإنما يقال : نذر ونترك لمن قد حصل في مكانه . ومن قال : إن الورود للكفار خاصة ، قال : معنى هذا الكلام : نخرج المتقين من جملة من يدخل النار . والمراد بالمتقين : الذين اتقوا الشرك ، وبالظالمين : الكفار . وقد سبق معنى قوله تعالى :
جثيا [ مريم : 68 ] .