ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان [ ص: 294 ] لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى .
قوله تعالى : "
ولقد أريناه " يعني :
فرعون ، "
آياتنا كلها " يعني : التسع الآيات ، ولم ير كل آية لله لأنها لا تحصى ، "
فكذب " ; أي : نسب الآيات إلى الكذب وقال : هذا سحر ، "
وأبى " أن يؤمن ، "
قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا " يعني :
مصر ، "
بسحرك " ; أي : تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك فتملكها وتخرجنا منها ، "
فلنأتينك بسحر مثله " ; أي : فلنقابلن ما جئت به من السحر بمثله ، "
فاجعل بيننا وبينك موعدا " ; أي : اضرب بيننا وبينك أجلا وميقاتا ، "
لا نخلفه " ; أي : لا نجاوزه ، "
نحن ولا أنت مكانا " وقيل : المعنى : اجعل بيننا وبينك موعدا مكانا نتواعد لحضورنا ذلك المكان ، ولا يقع منا خلاف في حضوره . "
سوى " قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بكسر السين . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15833وخلف ،
ويعقوب : ( سوى ) بضمها . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=11904وأبو المتوكل ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة : ( مكانا سواء ) بالمد والهمز والنصب والتنوين وفتح السين . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود مثله ، إلا أنه كسر السين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : هو اسم للمكان النصف فيما بين الفريقين ، والمعنى : مكانا تستوي مسافته على الفريقين ، فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر . "
قال موعدكم يوم الزينة " قرأ الجمهور برفع الميم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، [
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ] ،
nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة ،
وهبيرة عن
حفص بنصب الميم . وفي هذا اليوم أربعة أقوال :
أحدها : يوم عيد لهم ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي عن أشياخه ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد .
[ ص: 295 ]
والثاني : يوم عاشوراء ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثالث : يوم النيروز ، ووافق ذلك يوم السبت أول يوم من السنة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والرابع : يوم سوق لهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير .
وأما رفع اليوم ، فقال البصريون : التقدير : وقت موعدكم يوم الزينة ، فناب الموعد عن الوقت ، وارتفع به ما كان يرتفع بالوقت إذا ظهر . فأما نصبه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى : موعدكم يقع يوم الزينة . "
وأن يحشر الناس " موضع " أن " رفع ، المعنى : موعدكم حشر الناس ، "
ضحى " ; أي : إذا رأيتم الناس قد حشروا ضحى . ويجوز أن تكون " أن " في موضع خفض عطفا على الزينة ، المعنى : موعدكم يوم الزينة ويوم حشر الناس ضحى . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344وابن يعمر ،
وعاصم الجحدري : ( وأن تحشر ) بتاء مفتوحة ورفع الشين ونصب ( الناس ) . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي : ( وأن يحشر ) بالياء المفتوحة ورفع الشين ونصب ( الناس ) .
قال المفسرون : أراد بالناس : أهل
مصر ، وبالضحى : ضحى اليوم ، وإنما علقه بالضحى ليتكامل ضوء الشمس واجتماع الناس ، فيكون أبلغ في الحجة وأبعد من الريبة .
"
فتولى فرعون " فيه قولان :
أحدهما : أن المعنى : تولى عن الحق الذي أمر به .
والثاني : أنه انصرف إلى منزله لاستعداد ما يلقى به
موسى . "
فجمع كيده " ; أي : مكره وحيلته ، "
ثم أتى " ; أي : حضر الموعد . "
قال لهم موسى " ; أي : للسحرة . وقد ذكرنا عددهم في ( الأعراف : 114 ) .
[ ص: 296 ]
قوله تعالى : "
ويلكم " قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هو منصوب على ( ألزمكم الله ويلا ) ، ويجوز أن يكون على النداء ، كقوله تعالى :
يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا [ يس : 52 ] .
قوله تعالى : "
لا تفتروا على الله كذبا " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا تشركوا معه أحدا .
قوله تعالى : "
فيسحتكم " قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : ( فيسحتكم ) بفتح الياء من ( سحت ) . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وحفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : ( فيسحتكم ) بضم الياء من ( أسحت ) . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : ويسحت أكثر ، وهو الاستئصال ،
والعرب تقول : سحته الله ، وأسحته ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
وعض زمان يابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف
هكذا أنشد البيت
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : ( إلا مسحت أو مجلف ) بالرفع .
[ ص: 297 ]
قوله تعالى : "
فتنازعوا أمرهم بينهم " يعني : السحرة تناظروا فيما بينهم في أمر
موسى وتشاوروا ، "
وأسروا النجوى " ; أي : أخفوا كلامهم من
فرعون وقومه . وقيل : من
موسى وهارون . وقيل : "
أسروا " هاهنا بمعنى : أظهروا .
وفي ذلك الكلام الذي جرى بينهم ثلاثة أقوال :
أحدها : أنهم قالوا : إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه ، وإن يكن من السماء كما زعمتم فله أمره ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
والثاني : أنهم لما سمعوا كلام
موسى قالوا : ما هذا بقول ساحر ، ولكن هذا كلام الرب الأعلى ، فعرفوا الحق ، ثم نظروا إلى
فرعون وسلطانه ، وإلى
موسى وعصاه ، فنكسوا على رؤوسهم وقالوا :
إن هذان لساحران ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل .
والثالث : أنهم قالوا : "
إن هذان لساحران . . . " الآيات ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
واختلف القراء في قوله تعالى : "
إن هذان لساحران " ، فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو بن العلاء : ( إن هذين ) على إعمال ( إن ) ، وقال : إني لأستحيي من الله أن أقرأ ( إن هذان ) . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : ( إن ) خفيفة ( هذان ) بتشديد النون . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم في رواية
حفص : ( إن ) خفيفة ( هذان ) خفيفة أيضا . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : ( إن ) بالتشديد ( هاذان ) بألف ونون خفيفة . فأما قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى :
والمقيمين الصلاة في سورة [ النساء : 162 ] . وأما قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم فمعناها : ما هذان إلا ساحران ،
[ ص: 298 ] كقوله تعالى :
وإن نظنك لمن الكاذبين [ الشعراء : 186 ] ; أي : ما نظنك إلا من الكاذبين ، وأنشدوا في ذلك :
ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما حلت عليه عقوبة المتعمد
أي : ما قتلت إلا مسلما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : ويشهد لهذه القراءة ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، أنه قرأ : ( ما هذان إلا ساحران ) ، وروي عنه : ( إن هذان إلا ساحران ) ، ورويت عن
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل : ( إن هذان ) بالتخفيف ، والإجماع على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل . فأما قراءة الأكثرين بتشديد ( إن ) وإثبات الألف في قوله : ( هذان ) ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : هي لغة
بلحارث بن كعب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : هي لغة
لبني الحارث بن كعب وافقتها لغة
قريش . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة عن
أبي الخطاب ، وهو رأس من رؤوس الرواة : أنها لغة لكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ، يقولون : أتاني الزيدان ، ورأيت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، وأنشدوا :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغا لناباه الشجاع لصمما
ويقول هؤلاء : ضربته بين أذناه . وقال النحويون القدماء : هاهنا هاء مضمرة ،
[ ص: 299 ] المعنى : إنه هذان لساحران . وقالوا أيضا : إن معنى ( إن ) : نعم هذان لساحران ، وينشدون :
ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : والذي عندي وكنت عرضته على عالمنا
محمد بن يزيد ، وعلى
إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد ، فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا ، وهو أن ( إن ) قد وقعت موقع ( نعم ) ، والمعنى : نعم هذان لهما الساحران ، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة ، وأستحسن هذه القراءة ; لأنها مذهب أكثر القراء وبها يقرأ ، وأستحسن قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم nindex.php?page=showalam&ids=14248والخليل ; لأنهما إمامان ولأنهما وافقا
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب في المعنى ، ولا أجيز قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو لخلاف المصحف . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء ، قال : ألف ( هذان ) هي ألف ( هذا ) ، والنون فرقت بين الواحد والتثنية ، كما فرقت نون ( الذين ) بين الواحد والجمع .
قوله تعالى : "
ويذهبا بطريقتكم " ؟ وقرأ
أبان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : ( ويذهبا ) بضم الياء وكسر الهاء . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ،
nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء العطاردي : ( ويذهبا بالطريقة ) بألف ولام مع حذف الكاف والميم .
وفي الطريقة قولان :
أحدهما : بدينكم المستقيم ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه ، يقال : فلان حسن الطريقة .
[ ص: 300 ]
والثاني : بأمثلكم ، رواه
ابن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : بأولي العقل والأشراف والأسنان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : يصرفان وجوه الناس إليهما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : الطريقة : الرجال الأشراف ، تقول
العرب للقوم الأشراف : هؤلاء طريقة قومهم ، وطرائق قومهم .
فأما "
المثلى " فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : هي تأنيث الأمثل ، تقول في الإناث : خذ المثلى منهما ، وفي الذكور : خذ الأمثل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : ومعنى المثلى والأمثل : ذو الفضل الذي به يستحق أن يقال : هذا أمثل قومه ، قال : والذي عندي أن في الكلام محذوفا ، والمعنى : يذهبا بأهل طريقتكم المثلى ، وقول
العرب : هذا طريقة قومه ; أي : صاحب طريقتهم .
قوله تعالى : "
فأجمعوا كيدكم " قرأ الأكثرون : ( فأجمعوا ) بقطع الألف من ( أجمعت ) ، والمعنى : يكون عزمكم مجمعا عليه ، لا تختلفوا فيختل أمركم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : والإجماع : الإحكام والعزيمة على الشيء ، تقول : أجمعت على الخروج ، وأجمعت الخروج ، تريد : أزمعت ، قال الشاعر :
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع
يريد : قد أحكم وأعزم عليه . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو : ( فأجمعوا ) بفتح الميم من ( جمعت ) ، يريد : لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به ، فأما كيدهم ، فالمراد به : سحرهم ومكرهم .
قوله تعالى : "
ثم ائتوا صفا " ; أي : مصطفين مجتمعين ; ليكون أنظم لأموركم وأشد لهيبتكم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : "
صفا " ; أي : صفوفا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : " صفا " بمعنى : جمعا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : كانوا خمسة وعشرين صفا ، كل ألف ساحر صف .
[ ص: 301 ] 50 قوله تعالى : "
وقد أفلح اليوم من استعلى " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : فاز من غلب .