وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت [ ص: 381 ] من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين .
قوله تعالى : "
وذا النون " يعني :
يونس بن متى . والنون : السمكة ، أضيف إليها لابتلاعها إياه .
قوله تعالى : "
إذ ذهب مغاضبا " قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : المغاضبة : مفاعلة ، وأكثر المفاعلة من اثنين ، كالمناظرة والمجادلة والمخاصمة ، وربما تكون من واحد ، كقولك : سافرت وشارفت الأمر ، وهي هاهنا من هذا الباب . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11904أبو المتوكل ،
nindex.php?page=showalam&ids=11838وأبو الجوزاء ،
وعاصم الجحدري ،
وابن السميفع : ( مغضبا ) بإسكان الغين وفتح الضاد من غير ألف .
واختلفوا في مغاضبته لمن كانت على قولين :
أحدهما : أنه غضب على قومه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك . وفي سبب غضبه عليهم ثلاثة أقوال : أحدها : أن الله تعالى أوحى إلى نبي يقال له :
شعيا : أن ائت فلانا الملك ، فقل له : يبعث نبيا أمينا إلى بني إسرائيل ، وكان قد غزا بني إسرائيل ملك وسبى منهم الكثير ، فأراد النبي والملك أن يبعثا
يونس إلى ذلك الملك ليكلمه حتى يرسلهم ، فقال
يونس لشعيا : هل أمرك الله بإخراجي ؟ قال : لا . قال : فهل سماني لك ؟ قال : لا . قال : فهاهنا غيري من الأنبياء ، فألحوا عليه فخرج مغاضبا للنبي والملك ولقومه ، هذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقد زدناه شرحا في ( يونس : 98 ) . والثاني : أنه عانى من قومه أمرا صعبا من الأذى والتكذيب ، فخرج عنهم قبل أن يؤمنوا ضجرا ، وما ظن أن هذا الفعل يوجب عليه ما جرى من العقوبة ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري . وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، قال : لما حملت عليه أثقال النبوة ، ضاق بها ذرعا ولم يصبر ،
[ ص: 382 ] فقذفها من يده وخرج هاربا . والثالث : أنه لما أوعدهم العذاب فتابوا ورفع عنهم ، قيل له : ارجع إليهم ، فقال : كيف أرجع فيجدوني كاذبا ؟ فانصرف مغاضبا لقومه عاتبا على ربه . وقد ذكرنا هذا في ( يونس : 98 ) .
والثاني : أنه خرج مغاضبا لربه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15426أبو بكر النقاش : المعنى : مغاضبا من أجل ربه ، وإنما غضب لأجل تمردهم وعصيانهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : كان مغيظا عليهم لطول ما عاناه من تكذيبهم ، مشتهيا أن ينزل العذاب بهم ، فعاقبه الله على كراهيته العفو عن قومه .
قوله تعالى : "
فظن أن لن نقدر عليه " وقرأ
يعقوب : ( يقدر ) بضم الياء وتشديد الدال وفتحها . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=11838وأبو الجوزاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى : ( يقدر ) بياء مرفوعة مع سكون القاف وتخفيف الدال وفتحها . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12107أبو عمران الجوني : ( يقدر ) بياء مفتوحة وسكون القاف وكسر الدال خفيفة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344وابن يعمر ،
وحميد بن قيس : ( نقدر ) بنون مرفوعة وفتح القاف وكسر الدال وتشديدها . ثم فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن لن نقضي عليه بالعقوبة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : معنى الآية : فظن أن لن نقدر عليه ما قدرنا من العقوبة ،
والعرب تقول : قدر بمعنى : قدر ، قال
أبو صخر :
ولا عائدا ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يكن ولك الشكر
أراد : ما تقدر ، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
[ ص: 383 ]
والثاني : فظن أن لن نضيق عليه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : يقال : فلان مقدر عليه ، ومقتر عليه ، ومنه قوله تعالى:
فقدر عليه رزقه [ الفجر : 16 ] ; أي : ضيق عليه فيه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15426النقاش : والمعنى : فظن أن لن يضيق عليه الخروج ، فكأنه ظن أن الله قد وسع له ، إن شاء أن يقيم ، وإن شاء أن يخرج ، ولم يؤذن له في الخروج .
والثالث : أن المعنى : فظن أنه يعجز ربه فلا يقدر عليه ! رواه
عوف عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . وقال
ابن زيد وسليمان التيمي : المعنى : أفظن أن لن نقدر عليه ; فعلى هذا الوجه يكون استفهاما قد حذفت ألفه ، وهذا الوجه يدل على أنه من القدرة ، ولا يتصور إلا مع تقدير الاستفهام ، ولا أعلم له وجها إلا أن يكون استفهام إنكار ، تقديره : ما ظن عجزنا ، فأين يهرب منا ؟
قوله تعالى : "
فنادى في الظلمات " فيها ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها ظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، والأكثرون .
والثاني : أن حوتا جاء فابتلع الحوت الذي هو في بطنه ، فنادى في ظلمة حوت ، ثم في ظلمة حوت ، ثم في ظلمة البحر ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد .
والثالث : أنها ظلمة الماء ، وظلمة معى السمكة ، وظلمة بطنها ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه ، كلمة أخي يونس : فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : وهذا اعتراف [ من ]
يونس بذنبه وتوبة من خطيئته .
[ ص: 384 ]
قوله تعالى : "
فاستجبنا له " ; أي : أجبناه ، "
ونجيناه من الغم " ; أي : من الظلمات ، "
وكذلك ننجي المؤمنين " إذا دعونا . وروى
أبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم أنه قرأ : ( نجي المؤمنين ) بنون واحدة مشددة الجيم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وهذا لحن لا وجه له . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي الفارسي : غلط الراوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ، ويدل على هذا إسكانه الياء من ( نجي ) ونصب ( المؤمنين ) ، ولو كان على ما لم يسم فاعله ما سكن الياء ، ولرفع ( المؤمنين ) .