وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام [ ص: 423 ] معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق .
قوله تعالى : "
وإذ بوأنا لإبراهيم " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : جعلنا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل : دللناه عليه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب : وإنما أدخل اللام على أن "
بوأنا " في معنى : جعلنا ، فيكون بمعنى
ردف لكم [ النمل : 72 ] ; أي : ردفكم . وقد شرحنا كيفية بناء البيت في ( البقرة : 129 ) .
قوله تعالى : "
أن لا تشرك بي شيئا " المعنى : وأوحينا إليه ذلك ، "
وطهر بيتي " حرك هذه الياء
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع وحفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم . وقد شرحنا الآية في ( البقرة : 125 ) .
وفي المراد بـ " القائمين " قولان : أحدهما : القائمون في الصلاة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء والجمهور . والثاني : المقيمون
بمكة ، حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
قوله تعالى : "
وأذن في الناس بالحج " قال المفسرون : لما فرغ
إبراهيم من بناء البيت ، أمره الله تعالى أن يؤذن في الناس بالحج ، فقال
إبراهيم : يا رب ; وما يبلغ صوتي ؟ وقال : أذن وعلي البلاغ ; فعلا على
جبل أبي قبيس وقال : يا أيها الناس ; إن ربكم قد بنى بيتا فحجوه ، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله أن يحج ، فأجابوه : لبيك اللهم لبيك . والأذان بمعنى النداء والإعلام ، والمأمور بهذا الأذان
إبراهيم في قول الجمهور ،
[ ص: 424 ] إلا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنه قال : المأمور به
محمد صلى الله عليه وسلم . والناس هاهنا : اسم يعم جميع بني
آدم عند الجمهور ، إلا ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : عنى بالناس : أهل القبلة .
واعلم أن من أتى البيت الذي دعا إليه
إبراهيم ، فكأنه قد أتى
إبراهيم ; لأنه أجاب نداءه . وواحد الرجال هاهنا : راجل ، مثل : صاحب وصحاب ، والمعنى : يأتوك مشاة . وقد روي أن
إبراهيم وإسماعيل حجا ماشيين ، وحج
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا من
المدينة إلى
مكة ، والنجائب تقاد معه . وحج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ماشيا مرتين أو ثلاثا .
قوله تعالى : "
وعلى كل ضامر " ; أي : ركبانا على ضمر من طول السفر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : و "
يأتين " فعل للنوق . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : " يأتين " على معنى الإبل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة : ( يأتون ) بالواو .
قوله تعالى : "
من كل فج عميق " ; أي : طريق بعيد . وقد ذكرنا تفسير الفج عند قوله تعالى :
وجعلنا فيها فجاجا [ الأنبياء : 31 ] .
قوله تعالى : "
ليشهدوا " ; أي : ليحضروا ، "
منافع لهم " ، وفيها ثلاثة أقوال :
أحدها : التجارة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
والثاني : منافع الآخرة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج في آخرين .
[ ص: 425 ]
والثالث : منافع الدارين جميعا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . وهو أصح ; لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة ، وإنما الأصل قصد الحج ، والتجارة تبع .
وفي الأيام المعلومات ستة أقوال :
أحدها : أنها أيام العشر ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
والثاني : تسعة أيام من العشر ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري .
والثالث : يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
ومقسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والرابع : أنها
أيام التشريق ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ،
nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك .
والخامس : أنها خمسة أيام أولها يوم التروية ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والسادس : ثلاثة أيام أولها يوم عرفة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس . وقيل : إنما قال : "
معلومات " ; ليحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : والذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر ; لقوله تعالى : "
على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى : ويحتمل أن يكون الذكر المذكور هاهنا هو الذكر على الهدايا الواجبة ، كالدم الواجب لأجل التمتع والقران ، ويحتمل أن يكون الذكر المفعول عند رمي الجمار وتكبير التشريق ; لأن الآية عامة في ذلك .
[ ص: 426 ]
قوله تعالى : "
فكلوا منها " يعني : الأنعام التي تنحر ، وهذا أمر إباحة . وكان أهل الجاهلية لا يستحلون أكل ذبائحهم ، فأعلم الله عز وجل أن ذلك جائز ، غير أن هذا إنما يكون في الهدي المتطوع به ، فأما دم التمتع والقران ، فعندنا أنه يجوز أن يأكل منه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجوز . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : من كل الهدي يؤكل ، إلا ما كان من فداء ، أو جزاء ، أو نذر . فأما "
البائس " فهو ذو البؤس ، وهو شدة الفقر .
قوله تعالى : "
ثم ليقضوا تفثهم " فيه أربعة أقوال :
أحدها : حلق الرأس ، وأخذ الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقص الأظفار ، والأخذ من العارضين ، ورمي الجمار ، والوقوف بعرفة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني :
مناسك الحج ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
والثالث : حلق الرأس ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
[ ص: 427 ]
والرابع : الشعر والظفر ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة .
والقول الأول أصح ; لأن التفث : الوسخ ، والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث . وقضاؤه : نقضه وإذهابه . والحاج مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد ، فإذا قضى نسكه وخرج من إحرامه بالحلق ، والقلم ، وقص الأظفار ، ولبس الثياب ، ونحو ذلك ; فهذا قضاء تفثه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وأهل اللغة لا يعرفون التفث إلا من التفسير ، وكأنه الخروج من الإحرام إلى الإحلال .
قوله تعالى : "
وليوفوا نذورهم " وروى
أبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم : ( وليوفوا ) بتسكين اللام وتشديد الفاء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هو نحر ما نذروا من البدن . وقال غيره : ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج ، فإن الإنسان ربما نذر أن يتصدق إن رزقه الله رؤية
الكعبة ، وقد يكون عليه نذور مطلقة ، فالأفضل أن يؤديها بمكة .
قوله تعالى : "
وليطوفوا بالبيت العتيق " هذا هو الطواف الواجب ; لأنه أمر به بعد الذبح ، والذبح إنما يكون في يوم النحر ، فدل على أنه الطواف المفروض .
وفي تسمية البيت عتيقا أربعة أقوال :
أحدها : لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة . روى
nindex.php?page=showalam&ids=14عبد الله بن الزبير nindex.php?page=hadith&LINKID=935019عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إنما سمى الله البيت : العتيق ; لأن الله أعتقه من الجبابرة ، فلم يظهر عليه جبار قط " ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة .
[ ص: 428 ]
والثاني : أن معنى العتيق : القديم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد .
والثالث : لأنه لم يملك قط ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في رواية ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان بن عيينة .
والرابع : لأنه أعتق من الغرق زمان الطوفان ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب . وقد تكلمنا في هذه السورة في "ليقضوا " ، و " ليوفوا " ، و " ليطوفوا " .