وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين .
قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون .
ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون .
قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين .
أن أرسل معنا بني إسرائيل قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين .
وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين .
ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل
قوله تعالى:
وإذ نادى المعنى : واتل هذه القصة على قومك .
قوله تعالى:
أن يكذبون ياء " يكذبون " محذوفة ، ومثلها
أن يقتلون [الشعراء : 14]
سيهدين [الشعراء : 62]
فهو يهدين [الشعراء : 78]
[ ص: 118 ] ويسقين [الشعراء:79]
فهو يشفين [الشعراء : 80]
ثم يحيين [الشعراء : 81]
كذبون [الشعراء : 117]
وأطيعون [الشعراء : 108] فهذه ثمان آيات أثبتهن في الحالين
يعقوب .
قوله تعالى:
ويضيق صدري أي بتكذيبهم إياي
ولا ينطلق لساني للعقدة التي كانت بلسانه . وقرأ
يعقوب : "
ويضيق " "
ولا ينطلق " بنصب القاف فيهما ،
فأرسل إلى هارون المعنى : ليعينني ، فحذف ، لأن في الكلام دليلا عليه .
ولهم علي ذنب وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه ; والمعنى : ولهم علي دعوى ذنب
فأخاف أن يقتلون به
قال كلا وهو ردع وزجر عن الإقامة على هذا الظن ; والمعنى : لن يقتلوك لأني لا أسلطهم عليك ،
فاذهبا يعني : أنت وأخوك
بآياتنا وهي : ما أعطاهما من المعجزة
إنا يعني نفسه عز وجل
معكم فأجراها مجرى الجماعة
مستمعون نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به .
قوله تعالى:
إنا رسول رب العالمين قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : الرسول يكون بمعنى الجميع ، كقوله :
هؤلاء ضيفي [الحجر : 68] وقوله :
ثم نخرجكم طفلا [الحج : 5] . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى : إنا رسالة رب العالمين ، أي : ذوو رسالة رب العالمين ، قال الشاعر :
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول
أي : برسالة .
[ ص: 119 ] قوله تعالى:
أن أرسل المعنى : بأن أرسل
معنا بني إسرائيل أي : أطلقهم من الاستعباد ، فأتياه فبلغاه الرسالة ، فـ
قال ألم نربك فينا وليدا أي : صبيا صغيرا
ولبثت فينا من عمرك سنين وفيها ثلاثة أقوال .
أحدها : ثماني عشرة سنة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني : أربعون سنة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب . والثالث : ثلاثون سنة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل . والمعنى : فجازيتنا على أن ربيناك أن كفرت نعمتنا ، وقتلت منا نفسا ، وهو قوله :
وفعلت فعلتك وهي قتل النفس . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء . وإنما نصبت الفاء ، لأنها مرة واحدة ، ولو أريد بها مثل الجلسة والمشية جاز كسرها .
وفي قوله :
وأنت من الكافرين قولان .
أحدهما : من الكافرين لنعمتي ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد .
والثاني : من الكافرين بإلهك ، كنت معنا على ديننا الذي تعيب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . فعلى الأول : وأنت من الكافرين الآن . وعلى الثاني : وكنت .
وفي قوله :
وأنا من الضالين ثلاثة أقوال .
أحدها : من الجاهلين ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة . وقال بعض المفسرين : المعنى : إني كنت جاهلا لم يأتني من الله شيء .
والثاني : من الخاطئين ; والمعنى : إني قتلت النفس خطأ ، قاله
ابن زيد .
والثالث : من الناسين ، ومثله :
أن تضل إحداهما [البقرة : 282] ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة .
قوله تعالى:
ففررت منكم أي : ذهبت من بينكم
لما خفتكم على
[ ص: 120 ] نفسي إلى
مدين ، وقرأ
عاصم الجحدري ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344وابن يعمر : (لما) بكسر اللام وتخفيف الميم ،
فوهب لي ربي حكما وفيه قولان .
أحدهما : النبوة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب . والثاني : العلم والفهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
قوله تعالى:
وتلك نعمة تمنها علي يعني التربية
أن عبدت بني إسرائيل أي : اتخذتهم عبيدا ; يقال : عبدت فلانا وأعبدته واستعبدته : إذا اتخذته عبدا .
وفي " أن " وجهان .
أحدهما : أن تكون في موضع رفع على البدل من " نعمة " .
والثاني : أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض ، تقديره : لأن عبدت ، أو لتعبيدك .
واختلف العلماء في تفسير الآية ، ففسرها قوم على الإنكار ، وقوم على الإقرار .
فمن فسرها على الإنكار قال معنى الكلام : أوتلك نعمة؟! على طريق الاستفهام ، ومثله
هذا ربي [الأنعام : 76] ، وقوله :
فهم الخالدون [الأنبياء : 34] ، وأنشدوا :
[لم أنس يوم الرحيل وقفتها وجفنها من دموعها شرق]
وقولها والركاب سائرة تتركنا هكذا وتنطلق
[ ص: 121 ] وهذا قول جماعة منهم . ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال .
أحدها : أن
فرعون أخذ أموال بني إسرائيل واستعبدهم وأنفق على
موسى منها ، فأبطل
موسى النعمة لأنها أموال بني إسرائيل ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن .
والثاني : أن المعنى : إنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكفلني أهلي ، وكانت أمي تستغني عن قذفي في اليم ، فكأنك تمن علي بما كان بلاؤك سببا له ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج ،
والأزهري .
والثالث : أن المعنى : تمن علي بإحسانك إلي خاصة ، وتنسى إساءتك بتعبيدك بني إسرائيل؟! قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
والرابع : أن المعنى : كيف تمن علي بالتربية وقد استعبدت قومي؟! ومن أهين قومه فقد ذل ، فقد حبط إحسانك إلي بتعبيدك قومي ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي .
فأما من فسرها على الإقرار ، فإنه قال : عدها
موسى نعمة حيث رباه ولم يقتله ولا استعبده . فالمعنى : هي لعمري نعمة إذ ربيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل ; فـ " أن " تدل على المحذوف ، ومثله في الكلام- أن تضرب بعض عبيدك وتترك الآخر ، فيقول المتروك : هذه نعمة علي أن ضربت فلانا وتركتني ، ثم تحذف " وتركتني " لأن المعنى معروف ، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء .