واتل عليهم نبأ إبراهيم .
إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين .
قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون .
قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون .
أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين .
الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين .
وإذا [ ص: 128 ] مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين .
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين
قوله تعالى:
هل يسمعونكم والمعنى : هل يسمعون دعاءكم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17344وابن يعمر ،
وعاصم الجحدري : " هل يسمعونكم " بضم الياء وكسر الميم ،
إذ تدعون قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إن شئت بينت الذال ، وإن شئت أدغمتها في التاء وهو أجود في العربية ، لقرب الذال من التاء .
قوله تعالى:
أو ينفعونكم أي : إن عبدتموهم
أو يضرون إن لم تعبدوهم؟ فأخبروا عن تقليد آبائهم .
قوله تعالى:
فإنهم عدو لي فيه وجهان .
أحدهما : أن لفظه لفظ الواحد والمراد به الجميع ; فالمعنى : فإنهم أعداء لي .
والثاني : فإن كل معبود لكم عدو لي .
فإن قيل : ما وجه وصف الجماد بالعداوة؟
فالجواب : من وجهين . أحدهما : أن معناه : فإنهم عدو لي يوم القيامة إن عبدتهم . والثاني : أنه من المقلوب ; والمعنى : فإني عدو لهم ، لأن من عاديته عاداك ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة .
وفي قوله
إلا رب العالمين قولان .
أحدهما : أنه استثناء من الجنس ، لأنه علم أنهم كانوا يعبدون الله مع آلهتهم ، قاله
ابن زيد .
والثاني : أنه من غير الجنس ; والمعنى : لكن رب العالمين [ليس كذلك] ، قاله أكثر النحويين .
[ ص: 129 ] قوله تعالى:
الذي خلقني فهو يهدين أي : إلى الرشد ، لا ما تعبدون ،
والذي هو يطعمني ويسقين أي : هو رازقي الطعام والشراب .
فإن قيل : لم قال : "
مرضت " ، ولم يقل " أمرضني " ؟
فالجواب : أنه أراد الثناء على ربه فأضاف إليه الخير المحض ، لأنه لو قال : " أمرضني " لعد قومه ذلك عيبا ، فاستعمل حسن الأدب ; ونظيره قصة
الخضر حين قال في العيب :
فأردت [الكهف:79] ، وفي الخير المحض :
فأراد ربك [الكهف : 82] .
فإن قيل : فهذا يرده قوله :
والذي يميتني .
فالجواب : أن القوم كانوا لا ينكرون الموت ، وإنما يجعلون له سببا سوى تقدير الله عز وجل ، فأضافه
إبراهيم إلى الله عز وجل ، وقوله :
ثم يحيين يعني للبعث ، [وهو] أمر لا يقرون به ، وإنما قاله استدلالا عليهم ; والمعنى : أن ما وافقتموني عليه موجب لصحة قولي فيما خالفتموني فيه .
قوله تعالى:
والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يعني : ما يجري على مثلي من الزلل ; والمفسرون يقولون : إنما عنى الكلمات الثلاث التي ذكرناها في (الأنبياء : 63) ،
يوم الدين يعني : يوم الحشر والحساب ; وهذا احتجاج على قومه أنه لا تصلح الإلهية إلا لمن فعل هذه الأفعال .