صفحة جزء
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا . ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما

قوله تعالى: إنا عرضنا الأمانة فيها قولان .

أحدهما: أنها الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، إن أدتها أثابها، وإن ضيعتها عذبها، فكرهت ذلك; وعرضها على آدم فقبلها بما فيها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس; وكذلك قال سعيد بن جبير: عرضت الأمانة على آدم فقيل له: تأخذها بما فيها، إن أطعت غفرت لك، وإن [ ص: 428 ] عصيت عذبتك، فقال: قبلت، فما كان إلا كما بين صلاة العصر إلى أن غربت الشمس حتى أصاب الذنب . وممن ذهب إلى أنها الفرائض قتادة، والضحاك، والجمهور .

والثاني: أنها الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضا عليها . روى السدي عن أشياخه أن آدم لما أراد الحج قال للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض، فأبت، وقال للجبال، فأبت، فقال لقابيل، فقال: نعم، تذهب وتجيء وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم قتل قابيل هابيل، فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه، فذلك حيث يقول الله عز وجل: إنا عرضنا الأمانة إلى قوله: وحملها الإنسان وهو ابن آدم، فما قام بها .

وحكى ابن قتيبة عن بعض المفسرين أن آدم لما حضرته الوفاة قال: يا رب، من أستخلف من بعدي؟ فقيل له: اعرض خلافتك على جميع الخلق، فعرضها، فكل أباها غير ولده .

وللمفسرين في المراد بعرض الأمانة على السماوات والأرض قولان .

أحدهما: أن الله تعالى ركب العقل في هذه الأعيان، وأفهمهن خطابه، وأنطقهن بالجواب حين عرضها عليهن، ولم يرد بقوله: " أبين " المخالفة، [ ص: 429 ] ولكن أبين للخشية والمخافة، لأن العرض كان تخييرا لا إلزاما، وأشفقن بمعنى خفن منها أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب، هذا قول الأكثرين .

والثاني: أن المراد بالآية: إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة، قاله الحسن .

وفي المراد بالإنسان أربعة أقوال . أحدها: آدم في قول الجمهور . والثاني: قابيل في قول السدي . والثالث: الكافر والمنافق، قاله الحسن . والرابع: جميع الناس، قاله ثعلب .

قوله تعالى: إنه كان ظلوما جهولا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: ظلوما لنفسه، غرا بأمر ربه، قاله ابن عباس، والضحاك .

والثاني: ظلوما لنفسه، جهولا بعاقبة أمره، قاله مجاهد .

والثالث : ظلوما بمعصية ربه، جهولا بعقاب الأمانة، قاله ابن السائب .

وذكر الزجاج في الآية وجها يخالف أكثر الأقوال، وذكر أنه موافق للتفسير فقال: إن الله تعالى ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له، فأما السماوات والأرض فقالتا: أتينا طائعين [فصلت: 11]، وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله، وأن الشمس والقمر والنجوم والجبال والملائكة يسجدون لله، فعرفنا الله تعالى أن السموات والأرض لم تحتمل الأمانة، لأنها أدتها، وأداؤها: طاعة الله وترك معصيته، وكل من خان الأمانة فقد احتملها، وكذلك كل من أثم فقد احتمل الإثم، وكذلك قال الحسن: " وحملها الإنسان " أي: الكافر والمنافق حملاها، أي: خانا ولم يطيعا; فأما من أطاع، فلا يقال: كان ظلوما جهولا .

[ ص: 430 ] قوله تعالى: ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات قال ابن قتيبة : المعنى: عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهم الله، ويظهر إيمان المؤمنين فيتوب الله عليهم، أي: يعود عليهم بالرحمة والمغفرة إن وقع منهم تقصير في الطاعات .

التالي السابق


الخدمات العلمية