صفحة جزء
وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين . لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين .

قوله تعالى: وما علمناه الشعر قال المفسرون: إن كفار مكة قالوا: إن [ ص: 34 ] هذا القرآن شعر وإن محمدا شاعر، فقال الله تعالى: "وما علمناه الشعر" وما ينبغي له أي: ما يتسهل له ذلك . قال المفسرون: ما كان يتزن له بيت شعر، حتى إنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه تمثل يوما فقال:

"كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا"

فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنما قال الشاعر:


كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا



أشهد أنك رسول الله، ما علمك الله الشعر، وما ينبغي لك .
ودعا يوما بعباس بن مرادس فقال: "أنت القائل:


أتجعل نهبي ونهب العبيـ     ـد بين الأقرع وعيينة"؟



فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي لم يقل كذلك، فأنشده أبو بكر، فقال [ ص: 35 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يضرك بأيهما بدأت" فقال أبو بكر: والله ما أنت بشاعر" ولا ينبغي لك الشعر .
وتمثل يوما، فقال:


"ويأتيك من لم تزوده بالأخبار"



فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله، فقال: "إني لست بشاعر، ولا ينبغي لي" .
وإنما منع من قول الشعر، لئلا تدخل الشبهة على قوم فيما أتى به من القرآن فيقولون: قوي على ذلك بما في طبعه من الفطنة للشعر .

[ ص: 36 ] [ ص: 37 ] قوله تعالى: إن هو يعني القرآن إلا ذكر إلا موعظة وقرآن مبين فيه الفرائض والسنن [والأحكام] .

قوله تعالى: لينذر قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: "لينذر" بالياء، يعنون القرآن . وقرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: "لتنذر" بالتاء، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، أي: لتنذر يا محمد بما في القرآن . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن السميفع: "لينذر" بياء مرفوعة وفتح الذال والراء جميعا .

قوله تعالى: من كان حيا وفيه أربعة أقوال .

أحدها: حي القلب حي البصر، قاله قتادة .

والثاني: من كان عاقلا، قاله الضحاك . قال الزجاج : من كان يعقل ما يخاطب به، فإن الكافر كالميت في ترك النذير .

والثالث: مهتديا، قاله السدي وقال مقاتل: من كان مهتديا في علم الله .

والرابع: من كان مؤمنا، قاله يحيى بن سلام; وهذا على المعنى الذي قد سبق في قوله: إنما تنذر الذين يخشون ربهم [فاطر: 18]، ويجوز أن يريد: إنما ينفع إنذارك من كان مؤمنا في علم الله .

قوله تعالى: ويحق القول على الكافرين معناه: يجب . وفي المراد بالقول قولان . أحدهما: أنه العذاب . والثاني: الحجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية