وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين . قالوا بل لم تكونوا مؤمنين . وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين . فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون . فأغويناكم إنا كنا غاوين . فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين . إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون . [ ص: 54 ] ويقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون . بل جاء بالحق وصدق المرسلين . إنكم لذائقو العذاب الأليم . وما تجزون إلا ما كنتم تعملون . إلا عباد الله المخلصين . أولئك لهم رزق معلوم . فواكه وهم مكرمون . في جنات النعيم . على سرر متقابلين . يطاف عليهم بكأس من معين . بيضاء لذة للشاربين . لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون . وعندهم قاصرات الطرف عين . كأنهن بيض مكنون .
قوله تعالى:
وأقبل بعضهم على بعض فيهم قولان . أحدهما: الإنس على الشياطين . والثاني: الأتباع على الرؤساء
يتساءلون تساؤل توبيخ وتأنيب ولوم، فيقول الأتباع للرؤساء: [لم] غررتمونا؟ ويقول الرؤساء: لم قبلتم منا؟ فذلك قوله:
قالوا يعنى الأتباع للمتبوعين
إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها: كنتم تقهروننا بقدرتكم علينا، لأنكم كنتم أعز منا، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني: من قبل الدين فتضلونا عنه، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : تأتوننا من قبل الدين فتخدعونا بأقوى الأسباب .
والثالث: كنتم توثقون ما كنتم تقولون بأيمانكم، فتأتوننا من قبل الأيمان التي تحلفونها ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15466علي بن أحمد النيسابوري . فيقول المتبوعون لهم:
بل لم تكونوا مؤمنين أي: لم تكونوا على حق فنضلكم عنه إنما الكفر من قبلكم .
وما كان لنا عليكم من سلطان فيه قولان . أحدهما: أنه القهر . والثاني: الحجة . فيكون المعنى على الأول: وما كان لنا عليكم من قوة نقهركم بها .
[ ص: 55 ] ونكرهكم على متابعتنا، وعلى الثاني: لم نأتكم بحجة على ما دعوناكم إليه كما أتت الرسل .
قوله تعالى:
فحق علينا قول ربنا أي: فوجبت علينا كلمة العذاب، وهي قوله:
لأملأن جهنم [الأعراف: 18]
إنا لذائقون العذاب جميعا نحن وأنتم،
فأغويناكم أي، أضللناكم عن الهدى بدعائكم إلى ما نحن عليه، وهو قوله:
إنا كنا غاوين .
ثم أخبر عن الأتباع والمتبوعين بقوله:
فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ، والمجرمون هاهنا: المشركون،
إنهم كانوا في الدنيا
إذا قيل لهم لا إله إلا الله أي: قولوا هذه الكلمة
يستكبرون أي: يتعظمون عن قولها،
ويقولون أإنا لتاركو آلهتنا المعنى: أنترك عبادة آلهتنا
لشاعر أي: لاتباع شاعر؟! يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد الله عليهم فقال:
بل أي: ليس الأمر على ما قالوا، بل
جاء بالحق وهو التوحيد والقرآن،
وصدق المرسلين الذين كانوا قبله; والمعنى أنه أتى بما أتوا به . ثم خاطب المشركين بما يعد هذا إلى قوله:
إلا عباد الله المخلصين يعني الموحدين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: والعرب تقول: إنكم لذاهبون إلا زيدا . وفي ما استثناهم منه قولان .
أحدهما: من الجزاء على الأعمال، فالمعنى: إنا لا نؤاخذهم بسوء أعمالهم، بل نغفر لهم، قاله
ابن زيد .
والثاني: من دون العذاب; فالمعنى: فإنهم لا يذوقون العذاب، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
قوله تعالى:
أولئك لهم رزق معلوم فيه قولان . أحدهما: أنه الجنة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . والثاني: أنه الرزق في الجنة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . [ ص: 56 ] فعلى هذا، في معنى "معلوم" قولان . أحدهما: أنه بمقدار الغداة والعشي، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب . والثاني: أنهم حين يشتهونه يؤتون به، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
ثم بين الرزق فقال:
فواكه [وهي جمع فاكهة] وهي الثمار كلها، رطبها ويابسها
وهم مكرمون بما أعطاهم الله . وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحجر: 47] إلى قوله:
يطاف عليهم بكأس من معين قال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك: كل كأس ذكرت في القرآن، فإنما عني بها الخمر، [قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: الكأس: الإناء بما فيه، والمعين: الماء الطاهر الجاري . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : الكأس: الإناء الذي فيه الخمر]، ويقع الكأس على كل إناء مع شرابه، فإن كان فارغا فليس بكأس . والمعين: الخمر تجري كما يجري الماء على وجه الأرض من العيون .
قوله تعالى:
بيضاء قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: خمر الجنة أشد بياضا من اللبن . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12033أبو سليمان الدمشقي: ويدل على أنه أراد بالكأس الخمر، أنه قال: "بيضاء"، فأنث، ولو أراد الإناء على انفراده، أو الإناء والخمر، لقال: أبيض . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: إنما أراد بقوله: "بيضاء" الكأس، ولتأنيث الكأس أنثت البيضاء .
قوله تعالى:
لذة قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : أي: لذيذة، يقال: شراب لذاذ: إذا كان طيبا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أي: ذات لذة .
لا فيها غول فيه سبعة أقوال .
أحدها: ليس فيها صداع، رواه
ابن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني: ليس فيها وجع بطن، [رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد] . [ ص: 57 ] والثالث: ليس فيها صداع رأس، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
والرابع: ليس فيها أذى ولا مكروه، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير .
والخامس: لا تغتال عقولهم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : لا تغتال عقولهم فتذهب بها ولا يصيبهم منها وجع .
والسادس: ليس فيها إثم، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
والسابع: ليس فيها شيء من هذه الآفات، لأن كل من ناله شيء من هذه الآفات، قيل: قد غالته غول، فالصواب أن يكون نفي الغول عنها يعم جميع هذه الأشياء، هذا اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
قوله تعالى:
ولا هم عنها ينزفون قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي: بكسر الزاي هاهنا وفي [الواقعة: 19] . وفتح
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم الزاي هاهنا، وكسرها في [الواقعة: 19] . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير، nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ، .
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر: بفتح الزاي في السورتين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: فمن فتح، فالمعنى: لا تذهب عقولهم بشربها . يقال للسكران: نزيف ومنزوف; "ومن" كسر، ففيه وجهان . أحدهما: لا ينفدون شرابهم، أي: هو دائم أبدا . والثاني: لا يسكرون، قال الشاعر:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
قوله تعالى:
وعندهم قاصرات الطرف فيه قولان .
أحدهما: أنهن النساء قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم . وأصل القصر: الحبس، قال
ابن زيد: إن المرأة منهن لتقول
[ ص: 58 ] لزوجها: وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك، فالحمد لله الذي جعلني زوجك وجعلك زوجي .
والثاني: أنهن قد قصرن طرف الأزواج عن غيرهن، لكمال حسنهن، سمعته من الشيخ
أبي محمد بن الخشاب النحوي .
وفي العين ثلاثة أقوال . أحدها: حسان العيون، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . والثاني: عظام الأعين، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي، nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد . والثالث: كبار العيون حسانها، وواحدتهن عيناء، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
قوله تعالى:
كأنهن بيض مكنون في المراد بالبيض هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: أنه اللؤلؤ، رواه
علي بن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة .
والثاني: بيض النعام، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد، nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج . قال جماعة من أهل اللغة:
والعرب تشبه المرأة الحسناء في بياضها وحسن لونها بيضة النعامة، وهو أحسن ألوان النساء، وهو أن تكون المرأة بيضاء مشربة صفرة .
والثالث: أنه البيض حين يقشر قبل أن تمسه الأيدي، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي، وإلى هذا المعنى ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير .
فأما المكنون، فهو المصون . فعلى القول الأول: هو مكنون في صدفه، وعلى الثاني: هو مكنون بريش النعام، وعلى الثالث: هو مكنون بقشره .