[ ص: 59 ] فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . قال قائل منهم إني كان لي قرين . يقول أإنك لمن المصدقين . أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون . قال هل أنتم مطلعون . فاطلع فرآه في سواء الجحيم . قال تالله إن كدت لتردين . ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين . أفما نحن بميتين . إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين . إن هذا لهو الفوز العظيم . لمثل هذا فليعمل العاملون .
قوله تعالى:
فأقبل بعضهم على بعض يعني أهل الجنة
يتساءلون عن أحوال كانت في الدنيا .
قال قائل منهم إني كان لي قرين فيه أربعة أقوال . أحدها: أنه الصاحب في الدنيا . والثاني: أنه الشريك، رويا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثالث: أنه الشيطان، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . والرابع: أنه الأخ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: وهما الأخوان المذكوران في سورة [الكهف: 32] في قوله:
واضرب لهم مثلا رجلين ; والمعنى: كان لي صاحب أو أخ ينكر البعث،
يقول أإنك لمن المصدقين قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : هي مخففة الصاد، من صدق يصدق فهو مصدق، ولا يجوز هاهنا تشديد الصاد . قال المفسرون: والمعنى: أئنك لمن المصدقين بالبعث؟ وقرأ
بكر بن عبد الرحمن القاضي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة: "المصدقين" بتشديد الصاد .
[ ص: 60 ] قوله تعالى:
أإنا لمدينون أي: مجزيون بأعمالنا; يقال: دنته بما صنع، أي: جازيته . فأحب المؤمن أن يرى قرينة الكافر، فقال لأهل الجنة:
هل أنتم مطلعون أي: هل تحبون الاطلاع إلى النار لتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهلها؟ وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ،
وأبو عمران، nindex.php?page=showalam&ids=17344وابن يعمر: "هل أنتم مطلعون" بإسكان الطاء وتخفيفها
فاطلع بهمزة مرفوعة وسكون الطاء . وقرأ
أبو رزين، nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة: "مطلعون" بكسر النون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: اطلع ثم التفت إلى أصحابه فقال: لقد رأيت جماجم القوم تغلي; قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: وذلك أن في الجنة كوى ينظر منها أهلها إلى النار .
قوله تعالى:
فرآه يعني قرينة الكافر
في سواء الجحيم أي: في وسطها . وقيل: إنما سمي الوسط سواء، لاستواء المسافة منه إلى الجوانب . قال
خليد العصري: والله لولا أن الله عرفه إياه، ما عرفه، لقد تغير حبره وسبره . فعند ذلك
قال تالله إن كدت لتردين قال المفسرون: معناه: والله ما كدت إلا تهلكني; يقال أرديت فلانا، أي: أهلكته .
ولولا نعمة ربي أي: إنعامه علي بالإسلام
لكنت من المحضرين معك في النار .
قوله تعالى:
أفما نحن بميتين فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه إذا ذبح الموت، قال أهل الجنة: "أفما نحن بميتين،
[ ص: 61 ] إلا موتتنا الأولى" التي كانت في الدنيا
وما نحن بمعذبين ؟ فيقال لهم: لا; فعند ذلك قالوا:
إن هذا لهو الفوز العظيم ، فيقول الله تعالى:
لمثل هذا فليعمل العاملون ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب . وقيل: يقول ذلك للملائكة .
والثاني: أنه قوله المؤمن لأصحابه، فقالوا له: إنك لا تموت، فقال: "إن هذا لهو الفوز العظيم" قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل . وقال
أبو سفيان الدمشقي: إنما خاطب المؤمن أهل الجنة بهذا على طريق الفرح بدوام النعيم، لا على طريق الاستفهام، لأنه قد علم أنهم ليسوا بميتين، ولكن أعاد الكلام ليزداد بتكراره على سمعه سرورا .
والثالث: أنه قول المؤمن لقرينه الكافر على جهة التوبيخ بما كان ينكره، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي .
قوله تعالى:
لمثل هذا يعني النعيم الذي ذكره في قوله:
"أولئك لهم رزق معلوم" [الصافات: 41]
فليعمل العاملون ، وهذا ترغيب في طلب ثواب الله عز وجل بطاعته .