قل هو نبأ عظيم . أنتم عنه معرضون . ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون . إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين . إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . [ ص: 154 ] فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين . قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين . قال فاخرج منها فإنك رجيم . وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين . قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم . قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين . قال فالحق والحق أقول . لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين . قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . إن هو إلا ذكر للعالمين . ولتعلمن نبأه بعد حين .
قوله تعالى:
قل هو نبأ عظيم النبأ: الخبر . وفي المشار إليه قولان . أحدهما: أنه القرآن، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، والجمهور . والثاني: أنه البعث بعد الموت، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . أنتم عنه معرضون أي: لا تتفكرون فيه فتعلمون صدقي في نبوتي، وأن ما جئت به من الأخبار عن قصص الماضين لم أعلمه إلا بوحي من الله . ويدل على هذا المعنى قوله:
ما كان لي من علم بالملإ الأعلى يعني الملائكة
إذ يختصمون في شأن
آدم حين قال الله تعالى:
إني جاعل في الأرض خليفة [البقرة:30]; والمعنى: إني
[ ص: 155 ] ما علمت هذا إلا بوحي،
إن يوحى إلي أي: ما يوحى إلي
إلا أنما أنا نذير [أي]: إلا أني نبي أنذركم وأبين لكم ما تأتونه وتجتنبونه .
إذ قال ربك هذا متصل بقوله: "يختصمون"، وإنما اعترضت تلك الآية بينهما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: اختصموا حين شووروا في خلق
آدم، فقال الله لهم:
إني جاعل في الأرض خليفة ، وهذه الخصومة منهم إنما كانت مناظرة بينهم . وفي مناظرتهم قولان .
أحدهما: أنه قولهم:
أتجعل فيها من يفسد فيها [البقرة: 30]، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، ومقاتل .
والثاني: أنهم قالوا: لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم منه وأعلم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن; هذا قول الأكثر من المفسرين . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=911425رأيت ربي عز وجل، فقال لي: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: أنت أعلم يا رب، قال: في الكفارات والدرجات، فأما الكفارات، فإسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . وأما الدرجات، فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام" . [ ص: 156 ] [ ص: 157 ] قوله تعالى:
أستكبرت أي: أستكبرت بنفسك حين أبيت السجود
أم كنت من العالين أي: من قوم يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك من قوم يتكبرون؟!
قوله تعالى:
فإنك رجيم أي: مرجوم بالذم واللعن .
قوله تعالى:
إلى يوم الوقت المعلوم وهو وقت النفخة الأولى، وهو حين موت الخلائق .
وقوله:
فبعزتك يمين بمعنى: فوعزتك . وما أخللنا به في هذه القصة فهو مذكور في [الأعراف: 12] و [الحجر: 34] وغيرهما مما تقدم .
قوله تعالى:
قال فالحق والحق أقول قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم إلا
حسنون عن
هبيرة، nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة، nindex.php?page=showalam&ids=15833وخلف، وزيد عن
يعقوب: "فالحق" بالرفع في الأول ونصب الثاني، وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد; قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في معناه:
[ ص: 158 ] فأنا الحق وأقول الحق; وقال غيره: خبر الحق محذوف، تقديره: الحق مني . وقرأ
محبوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بالرفع فيهما; قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : من رفعهما جميعا، كان المعنى فأنا الحق والحق أقول وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي: بالنصب فيهما . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: وهو على معنى قولك: حقا لآتينك، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء، وهو بمنزلة قولك: حمدا لله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي بن أبي طالب: انتصب الحق الأول على الإغراء، أي: اتبعوا الحق، واسمعوا والزموا الحق . وقيل: هو نصب على القسم، كما تقول: الله لأفعلن، فتنصب حين حذفت الجار، لأن تقديره: فبالحق; فأما الحق الثاني، فيجوز أن يكون الأول، وكرره توكيدا، ويجوز أن يكون منصوبا بـ "أقول"، كأنه قال: وأقول الحق . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة، nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء، ومعاذ القارئ، nindex.php?page=showalam&ids=13726 [والأعمش]: "فالحق" بكسر القاف "والحق" بنصبها . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12107أبو عمران [الجوني] بكسر القافين جميعا . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11904أبو المتوكل، nindex.php?page=showalam&ids=11838وأبو الجوزاء، وأبو نهيك: "فالحق" بالنصب "والحق" بالرفع .
قوله تعالى:
لأملأن جهنم منك أي: من نفسك وذريتك .
قل ما أسألكم عليه من أجر أي: على تبليغ الوحي
وما أنا من المتكلفين أي: لم أتكلف إتيانكم من قبل نفسي، إنما أمرت أن آتيكم، ولم أقل القرآن من تلقاء نفسي، إنما أوحي إلي .
[ ص: 159 ] إن هو أي: ما هو، يعني القرآن
إلا ذكر أي: موعظة
للعالمين .
ولتعلمن يا معاشر الكفار
نبأه أي: خبر صدق القرآن
بعد حين وفيه ثلاثة أقوال . أحدها: بعد الموت . والثاني: يوم القيامة، رويا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وبالأول يقول
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة، وبالثاني يقول
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة . والثالث: يوم
بدر، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15097ابن السائب: من بقي إلى أن ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك، ومن مات علمه بعد الموت . وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك .