ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون . وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون . إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل . ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون . وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم . ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين . ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون . إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم . فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم . هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون .
قوله تعالى:
ولما ضرب ابن مريم مثلا أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في مجادلة
ابن الزبعرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله:
إنكم وما تعبدون من دون الله . . . [الآية] [الأنبياء: 98] . وقد شرحنا القصة في سورة [الأنبياء: 101] . والمشركون هم الذين ضربوا
عيسى مثلا لآلهتهم
[ ص: 324 ] وشبهوه بها، لأن تلك الآية إنما تضمنت ذكر الأصنام، لأنها عبدت من دون الله، فألزموه
عيسى، وضربوه مثلا لأصنامهم، لأنه معبود النصارى . والمراد بقومه: المشركون .
فأما
يصدون فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر، nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي: بضم الصاد، وكسرها الباقون; قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : ومعناهما جميعا: يضجون، ويجوز أن يكون معنى المضمومة: يعرضون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: من كسر الصاد، فمجازها: يضجون، ومن ضمها، فمجازها: يعدلون .
قوله تعالى:
وقالوا أآلهتنا خير أم هو المعنى: ليست خيرا منه، فإن كان في النار لأنه عبد من دون الله، فقد رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلته .
ما ضربوه لك إلا جدلا أي: ما ذكروا
عيسى إلا ليجادلوك به، لأنهم قد علموا أن المراد بـ "حصب جهنم" ما اتخذوه من الموات
بل هم قوم خصمون أي: أصحاب خصومات .
قوله تعالى:
وجعلناه مثلا أي: آية وعبرة
لبني إسرائيل يعرفون به قدرة الله على ما يريد، إذ خلقه من غير أب .
[ ص: 325 ] ثم خاطب كفار
مكة، فقال:
ولو نشاء لجعلنا منكم فيه قولان .
أحدهما: أن المعنى: لجعلنا بدلا منكم
ملائكة ; ثم في معنى "يخلفون" ثلاثة أقوال . أحدها: يخلف بعضهم بعضا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني: يخلفونكم ليكونوا بدلا منكم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . والثالث: يخلفون الرسل فيكونون رسلا إليكم بدلا منهم، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي .
والقول الثاني: أن المعنى: "ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة" أي: قلبنا الخلقة فجعلنا بعضكم ملائكة يخلفون من ذهب منكم، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي .
قوله تعالى:
وإنه لعلم للساعة في هاء الكناية قولان .
أحدهما: [أنها] ترجع إلى
عيسى عليه السلام . ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما: نزول
عيسى من أشراط الساعة يعلم به قربها، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، ومجاهد،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . والثاني: أن إحياء
عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق .
والقول الثاني: أنها ترجع إلى القرآن، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير .
وقرأ الجمهور: "لعلم" بكسر العين وتسكين اللام; وقرأ ابن عباس،
وأبو رزين ، وأبو عبد الرحمن،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، وحميد، وابن محيصن: بفتحهما .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : من قرأ بكسر العين، فالمعنى أنه يعلم به قرب الساعة، ومن فتح العين واللام، فإنه بمعنى العلامة والدليل .
[ ص: 326 ] قوله تعالى:
فلا تمترن بها أي: فلا تشكن فيها
واتبعون على التوحيد
هذا الذي أنا عليه
صراط مستقيم .
ولما جاء عيسى بالبينات قد شرحنا هذا في [البقرة: 87] .
قال قد جئتكم بالحكمة وفيها قولان . أحدهما: النبوة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . والثاني: الإنجيل، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل . ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه [أي]: من أمر دينكم; وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: "بعض الذي تختلفون فيه" من تبديل التوراة; وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: من أحكام التوراة . وقد ذهب قوم إلى أن البعض هاهنا بمعنى الكل . وقد شرحنا ذلك في [حم المؤمن: 28]; قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : والصحيح أن البعض لا يكون في معنى الكل، وإنما بين لهم
عيسى بعض الذي اختلفوا فيه مما احتاجوا إليه; وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: كان بينهم اختلاف في أمر دينهم ودنياهم، فبين لهم أمر دينهم فقط . وما بعد هذا قد سبق بيانه [النساء: 175، مريم: 37] إلى قوله:
هل ينظرون يعني كفار
مكة .