لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا .
[ ص: 434 ] ثم ذكر الذين أخلصوا نيتهم وشهدوا بيعة الرضوان بقوله:
لقد رضي الله عن المؤمنين وقد ذكرنا سبب هذه البيعة آنفا . وإنما سميت بيعة الرضوان، لقوله:
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة روى
nindex.php?page=showalam&ids=12443إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=105067بينما نحن قائلون زمن الحديبية، نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، البيعة، البيعة، نزل روح القدس، قال: فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة، فبايعناه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل: nindex.php?page=hadith&LINKID=660466كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة يبايع الناس، وإني لأرفع أغصانها عن رأسه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن الأشج: كانت الشجرة بفج نحو
مكة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع: كان الناس يأتون تلك الشجرة فيصلون عندها، فبلغ ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب، فأوعدهم فيها، وأمر بها فقطعت .
قوله تعالى:
فعلم ما في قلوبهم أي: من الصدق والوفاء، والمعنى: علم أنهم مخلصون
فأنزل السكينة عليهم يعني الطمأنينة والرضى حتى
[ ص: 435 ] بايعوا على أن يقاتلوا ولا يفروا
وأثابهم أي: عوضهم على الرضى بقضائه والصبر على أمره
فتحا قريبا وهو
خيبر، ومغانم كثيرة يأخذونها أي: من
خيبر، لأنها كانت ذات عقار وأموال . فأما قوله بعد هذا:
وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فقال المفسرون: هي الفتوح التي تفتح على المسلمين إلى يوم القيامة .
فعجل لكم هذه فيها قولان . أحدهما: أنها غنيمة
خيبر، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، والجمهور . والثاني: أنه الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
قريش، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قوله تعالى:
وكف أيدي الناس عنكم فيهم ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم اليهود هموا أن يغتالوا عيال المسلمين الذين خلفوهم في
المدينة، فكفهم الله عن ذلك، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
والثاني: أنهم
أسد وغطفان جاؤوا لينصروا أهل
خيبر، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا عنهم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: كانت
أسد وغطفان [مع أهل
خيبر، فقصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحوه وخلوا بينه وبين
خيبر . وقال غيرهما: بل همت
أسد وغطفان] باغتيال [أهل]
المدينة، فكفهم الله عن ذلك .
والثالث: أنهم أهل
مكة كفهم الله بالصلح، حكاهما
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي وغيره .
[ ص: 436 ] ففي قوله: "عنكم" قولان . أحدهما: أنه على أصله، قاله الأكثرون . والثاني: عن عيالكم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة ، وهو مقتضى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . ولتكون آية للمؤمنين في المشار إليها قولان .
أحدهما: أنها الفعلة التي فعلها بكم من كف أيديهم عنكم كانت آية للمؤمنين، فعلموا أن الله تعالى متولي حراستهم في مشهدهم ومغيبهم .
والثاني: أنها خيبر كان فتحها علامة للمؤمنين في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وعدهم به .
قوله تعالى:
ويهديكم صراطا مستقيما فيه قولان .
أحدهما: طريق التوكل عليه والتفويض إليه، وهذا على القول الأول .
والثاني: يزيدكم هدى بالتصديق
بمحمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من وعد الله تعالى بالفتح والغنيمة .
قوله تعالى:
وأخرى المعنى: وعدكم الله مغانم أخرى; وفيها أربعة أقوال .
أحدها: أنها ما فتح للمسلمين بعد ذلك . روى
سماك الحنفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس "وأخرى لم تقدروا عليها" قال: ما فتح لكم من هذه الفتوح، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
والثاني: أنها
خيبر، رواه
عطية، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وبه قال
ابن زيد .
والثالث:
فارس والروم، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16330وعبد الرحمن بن أبي ليلى .
والرابع:
مكة، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة، nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة .
قوله تعالى:
قد أحاط الله بها فيه قولان . أحدهما: أحاط بها علما
[ ص: 437 ] أنها ستكون من فتوحكم . والثاني: حفظها لكم ومنعها من غيركم حتى فتحتموها .
قوله تعالى:
ولو قاتلكم الذين كفروا هذا خطاب لأهل
الحديبية، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ; والذين كفروا مشركو
قريش . فعلى هذا يكون المعنى: لو قاتلوكم يوم
الحديبية لولوا الأدبار لما في قلوبهم من الرعب
ثم لا يجدون وليا لأن الله قد خذلهم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى: لو قاتلك من لم يقاتلك لنصرت عليه، لأن سنة الله النصرة لأوليائه . و "سنة الله" منصوبة على المصدر، لأن قوله:
لولوا الأدبار معناه: سن الله عز وجل خذلانهم سنة . وقد مر مثل هذا في قوله:
كتاب الله عليكم [النساء: 24]، وقوله:
صنع الله [النمل: 88] .
قوله تعالى:
وهو الذي كف أيديهم عنكم روى
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=660381أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأخذهم سلما، فاستحياهم، وأنزل الله [ ص: 438 ] هذه الآية . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=697043كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة، فبينما نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل جئتم في عهد؟" أو "هل جعل لكم أحد أمانا؟" قالوا: اللهم لا، فخلى سبيلهم، ونزلت هذه الآية . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا، فأتوه باثني عشر فارسا من الكفار، فأرسلهم، وقال nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: خرجوا يقاتلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهزمهم النبي صلى الله عليه وسلم بالطعن والنبل حتى أدخلهم بيوت مكة . قال المفسرون: ومعنى الآية: أن الله تعالى ذكر منته إذ حجز بين الفريقين فلم يقتتلا حتى تم الصلح بينهم .
وفي بطن
مكة ثلاثة أقوال . أحدها: أنه
الحديبية، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس . والثاني: وادي
مكة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . والثالث:
التنعيم، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12033أبو سليمان الدمشقي .
فأما
"مكة" فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج :
"مكة" لا تنصرف لأنها مؤنثة، وهي معرفة، ويصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق
"بكة"، والميم تبدل من الباء، يقال: ضربة لازم، ولازب، ويصلح أن يكون اشتقاقها من قولهم: امتك الفصيل ما في ضرع الناقة: إذا مص مصا شديدا حتى لا يبقي فيه شيئا، فيكون سميت
[ ص: 439 ] بذلك لشدة الازدحام فيها; قال: والقول الأول أحسن . وقال
قطرب: مكة من تمككت المخ: إذا أكلته . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس: تمككت العظم: إذا أخرجت مخه; والتمكك: الاستقصاء; وفي الحديث:"لا تمككوا على غرمائكم" .
وفي تسمية
"مكة" أربعة أقوال .
أحدها: لأنها مثابة يؤمها الخلق من كل فج، وكأنها هي التي تجذبهم إليها، وذلك من قول
العرب: امتك الفصيل ما في ضرع الناقة .
والثاني: أنها سميت
"مكة" من قولك: بككت الرجل: إذا وضعت منه ورددت نخوته، فكأنها تمك من ظلم فيها، أي: تهلكه وتنقصه، وأنشدوا:
يا مكة، الفاجر مكي مكا ولا تمكي مذحجا وعكا
والثالث:[ أنها] سميت بذلك لجهد أهلها .
والرابع: لقلة الماء بها .
وهل
مكة وبكة واحد؟ قد ذكرناه في [آل عمران: 96] .
قوله تعالى:
من بعد أن أظفركم عليهم أي: بهم; يقال: ظفرت بفلان، وظفرت عليه .
قوله تعالى:
وكان الله بما تعملون بصيرا قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو: ["يعملون"] بالياء; والباقون: بالتاء .