صفحة جزء
كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر

قوله تعالى: كذبت ثمود بالنذر فيه قولان .

أحدهما: أنه جمع نذير . وقد بينا أن من كذب نبيا واحدا فقد كذب الكل .

والثاني: أن النذر بمعنى الإنذار كما بينا في قوله: "فكيف كان عذابي ونذر" فكأنهم كذبوا الإنذار الذي جاءهم به صالح، "فقالوا أبشرا منا" [قال الزجاج: هو منصوب بفعل مضمر والذي ظهر تفسيره، المعنى: أنتبع بشرا منا " واحدا"]، قال المفسرون: قالوا: هو آدمي مثلنا، وهو واحد فلا نكون له تبعا "إنا إذا" إن فعلنا ذلك "لفي ضلال" أي: خطإ وذهاب عن الصواب "وسعر" قال ابن عباس: أي : جنون . قال ابن قتيبة: هو من: تسعرت النار: إذا التهبت، يقال: ناقة مسعورة، أي: كأنها مجنونة من النشاط . وقال غيره: لفي شقاء وعناء لأجل ما يلزمنا من طاعته .

[ ص: 97 ] ثم أنكروا أن يكون الوحي يأتيه فقالوا: "أألقي الذكر؟" أي: أنزل الوحي "عليه من بيننا؟ " أي: كيف خص من بيننا بالنبوة والوحي؟! "بل هو كذاب أشر" وفيه قولان .

أحدهما: أنه المرح المتكبر، قاله ابن قتيبة .

والثاني: البطر، قاله الزجاج .

قوله تعالى سيعلمون غدا قرأ ابن عامر وحمزة: "ستعلمون" بالتاء "غدا" فيه قولان .

أحدهما: يوم القيامة، قاله ابن السائب .

والثاني: عند نزول العذاب بهم، قاله مقاتل .

قوله تعالى إنا مرسلو الناقة وذلك أنهم سألوا صالحا أن يظهر لهم ناقة من صخرة، فقال الله تعالى: "إنا مرسلو الناقة" أي: مخرجوها كما أرادوا "فتنة لهم" أي: محنة واختبارا "فارتقبهم" أي: فانتظر ما هم صانعون "واصطبر" على ما يصيبك من الأذى، "ونبئهم أن الماء قسمة بينهم" أي: بين ثمود وبين الناقة، يوم لها ويوم لهم، فذلك قوله: "كل شرب محتضر" يحضره صاحبه ويستحقه .

قوله تعالى فنادوا صاحبهم واسمه قدار بن سالف "فتعاطى" قال ابن قتيبة: تعاطى عقر الناقة "فعقر" أي: قتل; وقد بينا هذا في [الأعراف: 77] .

قوله تعالى: إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة وذلك أن جبريل عليه [ ص: 98 ] السلام صاح بهم; وقد أشرنا إلى قصتهم في [هود: 61] "فكانوا كهشيم المحتظر" قال ابن عباس: هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك دون السباع، فما سقط من ذلك وداسته الغنم، فهو الهشيم وقد بينا معنى "الهشيم" في [الكهف: 45] . وقال الزجاج: الهشيم: ما يبس من الورق وتكسر وتحطم، والمعنى: كانوا كالهشيم الذي يجمعه صاحب الحظيرة بعد أن بلغ الغاية في الجفاف، فهو يجمع ليوقد . وقرأ الحسن "المحتظر" بفتح الظاء، وهو اسم الحظيرة، والمعنى: كهشيم المكان الذي يحتظر فيه الهشيم من الحطب . وقال سعيد بن جبير : هو التراب الذي يتناثر من الحيطان . وقال قتادة: كالعظام النخرة المحترقة . والمراد من جميع ذلك: أنهم بادوا وهلكوا حتى صاروا كالشيء المتحطم .

التالي السابق


الخدمات العلمية