خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأي آلاء ربكما تكذبان رب المشرقين ورب المغربين فبأي آلاء ربكما تكذبان مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان [ ص: 110 ] فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام فبأي آلاء ربكما تكذبان
قوله تعالى:
خلق الإنسان يعني
آدم "من صلصال" قد ذكرنا في [الحجر: 26،27] الصلصال والجان . فأما قوله:
"كالفخار" فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: خلق من طين يابس لم يطبخ، فله صوت إذا نقر، فهو من يبسه كالفخار . والفخار: ما طبخ بالنار .
فأما المارج، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: هو لهب النار الصافي من غير دخان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: المارج: خلط من النار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: المارج: لهب النار، من قولك: قد مرج الشيء: إذا اضطرب ولم يستقر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: هو اللهب المختلط بسواد النار .
فإن قيل: قد أخبر الله تعالى عن خلق
آدم عليه السلام بألفاظ مختلفة، فتارة يقول:
"خلقه من تراب" [آل عمران: 59]، وتارة:
"من صلصال" وتارة:
"من طين لازب" [الصافات: 11]، وتارة:
"كالفخار" [الرحمن: 14]، وتارة:
"من حمإ مسنون" [الحجر: 29]; فالجواب: [أن الأصل التراب فجعل طينا، ثم صار كالحمإ المسنون، ثم صار صلصالا كالفخار، هذه أخبار عن حالات أصله . فإن قيل: ما الفائدة في تكرار قوله: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " الجواب] أن ذلك التكرير لتقرير النعم وتأكيد التذكير بها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: من مذاهب
العرب التكرار للتوكيد
[ ص: 111 ] والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار [للتخفيف والإيجاز، لأن افتنان المتكلم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره] في المقام على فن واحد، يقول القائل منهم: والله لا أفعله، ثم والله لا أفعله، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع من أن يفعله، كما يقول: والله أفعله بإضمار "لا" إذا أراد الاختصار، ويقول القائل المستعجل: اعجل اعجل، وللرامي: ارم ارم، قال الشاعر:
كم نعمة كانت له وكم وكم
وقال الآخر:
هلا سألت جموع كن دة يوم ولوا أين أينا
وربما جاءت الصفة فأرادوا توكيدها، واستوحشوا من إعادتها ثانية لأنها كلمة واحدة، فغيروا منها حرفا ثم أتبعوها الأولى، كقولهم: عطشان نطشان، وشيطان ليطان، وحسن بسن . قال
ابن دريد: ومن الإتباع: جائع نائع، ومليح قريح، وقبيح شقيح، وشحيح نحيح، وخبيث نبيث، وكثير بثير: وسيغ ليغ، وسائغ لائغ، وحقير نقير، وضئيل بئيل، وخضر مضر، وعفريت نفريت، وثقة نقة، وكن إن، وواحد فاحد، وحائر بائر، وسمح لمح . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: فلما عدد الله تعالى في هذه السورة نعماءه .
[ ص: 112 ] وأذكر عباده آلاءه ونبههم على قدرته، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نعمتين، ليفهمهم النعم ويقررهم بها، كقولك للرجل: ألم أبوئك منزلا وكنت طريدا؟ أفتنكر هذا ؟ ألم أحج بك وأنت صرورة؟ أفتنكر هذا؟ .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أبو عبد الله في "صحيحه" من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665583قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها [ثم] قال: "مالي أراكم سكوتا؟! للجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة "فبأي آلاء ربكما تكذبان" إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد .
قوله تعالى
رب المشرقين قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12004أبو رجاء، nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة: "رب المشرقين ورب المغربين" بالخفض، وهما مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغرب الصيف ومغرب الشتاء للشمس والقمر جميعا .
قوله تعالى:
مرج البحرين أي: أرسل العذب والملح وخلاهما وجعلهما "يلتقيان"
بينهما برزخ أي: حاجز من قدرة الله تعالى
يبغيان أي: لا يختلطان فيبغي أحدهما على الآخر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: "مرج البحرين" يعني
[بحر] فارس والروم، بينهما برزخ، يعني الجزائر; وقد سبق بيان هذا في [الفرقان: 53] .
[ ص: 113 ] قوله تعالى:
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: إنما يخرج من البحر الملح، وإنما جمعهما، لأنه إذا خرج من أحدهما فقد أخرج منهما، ومثله
وجعل القمر فيهن نورا [نوح: 16] . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي الفارسي: أراد: يخرج من أحدهما، فحذف المضاف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: إنما قال "منهما" لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء .
فأما اللؤلؤ والمرجان، ففيهما قولان .
أحدهما: أن المرجان: ما صغر من اللؤلؤ، واللؤلؤ: العظام، قاله الأكثرون، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: اللؤلؤ: اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر، والمرجان: صغاره .
والثاني: أن اللؤلؤ: الصغار، والمرجان: الكبار، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: إذا أمطرت السماء، فتحت الأصداف أفواهها، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة . وقرأت على شيخنا
أبي منصور اللغوي قال: ذكر بعض أهل اللغة أن المرجان أعجمي معرب . قال
أبو بكر، يعني ابن دريد: ولم أسمع فيه بفعل منصرف، وأحر به أن يكون كذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: المرجان: الخرز الأحمر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: [المرجان] أبيض شديد البياض . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى أن المرجان: ضرب من اللؤلؤ كالقضبان .
قوله تعالى:
وله الجوار يعني السفن "المنشآت" قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: هو ما قد رفع قلعه من السفن دون ما لم يرفع قلعه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: هن اللواتي أنشئن، أي: ابتدئ بهن في "البحر" وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة: "المنشئات"، فجعلهن
[ ص: 114 ] اللواتي ابتدأن، يقال: أنشأت السحابة تمطر: إذا ابتدأت، وأنشأ الشاعر يقول، والأعلام: الجبال، وقد سبق هذا [الشورى: 32] .