[ ص: 238 ] سورة قريش
ويقال لها: سورة لإيلاف
وفيها قولان .
أحدهما: مكية، قاله الجمهور .
والثاني: مدنية، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك، وابن السائب .
واختلف القراء في " لإيلاف " فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر " لإلاف " بغير ياء بعد الهمزة، مثل: لعلاف . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر بياء ساكنة من غير همز . وروى
حماد بن أحمد عن
الشموني بهمزتين مخففتين، الأولى: مكسورة، والثانية: ساكنة على وزن لععلاف . وقرأ الباقون بهمزة بعدها ياء ساكنة، مثل لعيلاف .
وفي لام " لإيلاف " ثلاثة أقوال .
أحدها: موصولة بما قبلها، المعنى:
فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، أي: أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى
قريش . وما قد ألفوا من رحلة الشتاء، والصيف [هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء والجمهور .
[ ص: 239 ] والثاني: أنها لام التعجب، كأن المعنى: اعجبوا لإيلاف
قريش رحلة الشتاء والصيف]، وتركهم عبادة رب هذا البيت، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي .
والثالث: أن معناها متصل بما بعدها . المعنى: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف، لأنهم كانوا في الرحلتين آمنين، فإذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهل حرم الله فلا يتعرض لهم، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: وهذا الوجه قول النحويين الذين ترتضى أقوالهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: بعض الناس يذهب إلى أن هذه السورة وسورة الفيل واحدة، وأكثر الناس على أنهما سورتان، وإن كانتا متصلتي الألفاظ . والمعنى: إن
قريشا كانت
بالحرم آمنة من الأعداء .
والحرم واد جديب لا زرع فيه ولا شجر، وإنما كانت
قريش تعيش فيه بالتجارة وكانت لهم رحلتان في كل سنة، رحلة في الشتاء، ورحلة في الصيف إلى
الشام . ولولا هاتان الرحلتان لم يكن به مقام . ولولا أنهم بمجاورة البيت لم يقدروا على التصرف، فلما قصد أصحاب الفيل هدم
الكعبة أهلكهم الله لتقيم
قريش بالحرم، فذكرهم الله نعمته بالسورتين . والمعنى: أنه أهلك أولئك ليؤلف
قريشا هاتين
[ ص: 240 ] الرحلتين اللتين بهما معاشهم، ومقامهم
بمكة . تقول: ألفت موضع كذا: إذا لزمته، وألفنيه الله، كما تقول: لزمت موضع كذا وكذا، وألزمنيه الله، وكرر " لإيلاف " للتوكيد، كما تقول أعطيتك المال لصيانة وجهك صيانته عن كل الناس . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: يقال: ألفت المكان ألفا، وآلفته إيلافا بمعنى واحد .
وأما
قريش فهم ولد
النضر بن كنانة، وكل من لم يلده
النضر فليس بقرشي . وقيل: هم من ولد
فهر بن مالك بن النضر، فمن لم يلده
فهر فليس بقرشي . وإنما سموا
قريشا لتجارتهم وجمعهم المال . والقرش: الكسب . يقال: هو يقرش لعياله، ويقترش، أي: يكتسب . وقد سأل
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهم: لم سميت
قريش قريشا؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: بدابة تكون في البحر يقال لها: القريش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته . وأنشد:
وقريش هي التي تسكن البحـ ـ ـر بها سميت قريش قريشا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: قال قوم: سموا قريشا بالاقتراش، وهو وقوع الرماح بعضها على بعض . قال الشاعر:
ولما دنا الرايات واقترش القنا وطار مع القوم القلوب الرواجف
[ ص: 241 ] بسم الله الرحمن الرحيم
لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
قوله تعالى:
إيلافهم قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر وابن فليح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير، والوليد ابن عتبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر، والتغلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863ابن ذكوان، عنه " إلافهم " بهمزة مكسورة من غير ياء بعدها، مثل: علافهم . وروى
الخزاعي عن
ابن فليح، nindex.php?page=showalam&ids=11793وأبان ابن تغلب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم " إلفهم " بسكون اللام أيضا . ورواه
الشموني إلا
حمادا بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة، ورواه
حماد كذلك إلا أنه حذف الياء . وقرأ الباقون بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة مثل " عيلافهم " . وجمهور العلماء على أن الرحلتين كانتا للتجارة، وكانوا يخرجون إلى
الشام في الصيف، وإلى
اليمن في الشتاء لشدة برد
الشام، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: كانوا يشتون
بمكة، ويصيفون
بالطائف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: والرحلة منصوبة بإيقاع الفعل عليها .
قوله تعالى:
فليعبدوا رب هذا البيت أي: ليوحدوه
الذي أطعمهم من جوع أي: بعد الجوع، كما تقول: كسوتك من عري، وذلك أن الله تعالى آمنهم
بالحرم، فلم يتعرض لهم في رحلتهم، فكان ذلك سببا لإطعامهم
[ ص: 242 ] بعدما كانوا فيه من الجوع . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم
هاشم على الرحلتين، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير حتى استغنوا .
قوله تعالى:
وآمنهم من خوف وذلك أنهم كانوا آمنين
بالحرم، إن حضروا حماهم، وإن سافروا قيل: هؤلاء أهل
الحرم، فلا يعرض لهم أحد .