والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم .
قوله تعالى:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء سبب نزولها: أن المرأة كانت إذا طلقت وهي راغبة في زوجها ، قالت: أنا حبلى ، وليست حبلى ، لكي يراجعها ، وإن كانت حبلى وهي كارهة ، قالت: لست بحبلى ، لكي لا يقدر على مراجعتها . فلما جاء الإسلام ثبتوا على هذا ، فنزل قوله تعالى:
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة [ الطلاق: 1 ] ثم نزلت:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
فأما التفسير; فالطلاق: التخلية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: هي من قول
العرب: أطلقت الناقة ، فطلقت: إذا كانت مشدودة ، فأزلت الشد عنها ، وخليتها ، فشبه ما يقع للمرأة بذلك ، لأنها كانت متصلة الأسباب بالرجل ، وكانت الأسباب كالشد لها ، فلما طلقها قطع الأسباب . ويقال: طلقت المرأة ، وطلقت . وقال غيره: الطلاق: من أطلقت الشيء من يدي ، إلا أنهم لكثرة استعمالهم اللفظتين فرقوا بينهما ، ليكون التطليق مقصورا في الزوجات . وأما
القروء: فيراد بها: الإطهار ، ويراد بها الحيض . يقال: أقرأت المرأة إذا حاضت ، وأقرأت: إذا طهرت .
nindex.php?page=hadith&LINKID=662487قال النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: "تقعد أيام إقرائها" يريد: أيام حيضها . وقال
الأعشى: [ ص: 259 ] وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الحي رفعة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
أراد بالقروء: الأطهار ، لأنه لما خرج عن نسائه أضاع أطهارهن .
واختلف أهل اللغة في أصل القروء على قولين . أحدهما: أن أصله الوقت ، يقال: رجع فلان لقرئه ، أي: لوقته الذي كان يرجع فيه ، [ورجع لقارئه أيضا ] قال
الهذلي: كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح
فالحيض يأتي لوقت ، والطهر يأتي لوقت ، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة . والثاني: أن أصله الجمع . وقولهم: قرأت القرآن ، أي: لفظت به مجموعا . والقرء: اجتماع الدم في البدن ، وذلك إنما يكون في الطهر ، وقد يجوز أن يكون اجتماعه في الرحم ، وكلاهما حسن ، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج .
واختلف الفقهاء في الأقراء على قولين . أحدهما: أنها الحيض . روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=110وأبي موسى ،
وعبادة بن الصامت ، nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء ، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح ، وأبي حنيفة وأصحابه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل رضي الله عنه فإنه قال: قد كنت أقول: القروء: الأطهار ، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض . والثاني: أنها الأطهار . روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، [ ص: 260 ] nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=11795وأبان بن عثمان ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأومأ إليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
ولفظ قوله تعالى:
(والمطلقات يتربصن) لفظ الخبر ، ومعناه: الأمر ، كقوله تعالى:
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وقد يأتي لفظ الأمر في معنى الخبر كقوله تعالى:
فليمدد له الرحمن مدا [ مريم: 75 ] . والمراد بالمطلقات في هذه الآية ، البالغات ، المدخول بهن ، غير الحوامل .
قوله تعالى:
ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الحمل ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل ، nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة ، nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج . والثاني: أنه الحيض ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ، وعطية ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري . والثالث: الحمل والحيض قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد .
قوله تعالى:
إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر خرج مخرج الوعيد لهن والتوكيد ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: وهو كما تقول للرجل: إن كنت مؤمنا فلا تظلم وفي سبب وعيدهم بذلك قولان . أحدهما: أنه لأجل ما يستحقه الزوج من الرجعة قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني: لأجل إلحاق الولد بغير أبيه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . وقيل كانت المرأة إذا رغبت في زوجها ، قالت: إني حائض ، وقد طهرت . وإذا زهدت فيه ، كتمت حيضها حتى تغتسل ، فتفوته .
والبعولة: الأزواج . و"ذلك" إشارة إلى العدة . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، في آخرين . وفي الآية دليل على أن خصوص آخر اللفظ لا يمنع عموم أوله . ولا يوجب تخصيصه ، لأن قوله تعالى:
(والمطلقات يتربصن) عام في المبتوتات والرجعيات ، وقوله
[ ص: 261 ] تعالى:
وبعولتهن أحق بردهن خاص في الرجعيات .
قوله تعالى:
(إن أرادوا إصلاحا) قيل: إن الرجل كان إذا أراد الإضرار بامرأته ، طلقها واحدة وتركها ، فإذا قارب انقضاء عدتها راجعها ، ثم تركها مدة ، ثم طلقها ، فنهوا عن ذلك . وظاهر الآية يقتضي أنه إنما يملك الرجعة على غير وجه المضارة بتطويل العدة عليها ، غير أنه قد دل قوله تعالى:
ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا على صحة
الرجعة وإن قصد الضرار ، لأن الرجعة لو لم تكن صحيحة إذا وقعت على وجه الضرار; لما كان ظالما بفعلها .
قوله تعالى:
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وهو: المعاشرة الحسنة ، والصحبة الجميلة . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=678353أنه سئل عن حق المرأة على الزوج ، فقال: "أن يطعمها إذا طعم ، ويكسوها إذا اكتسى ، ولا يضرب الوجه ، ولا يقبح ، ولا يهجر إلا في البيت" وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: إني أحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي ، لهذه الآية .
قوله تعالى:
وللرجال عليهن درجة قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: بما ساق إليها من المهر ، وأنفق عليها من المال . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: بالجهاد والميراث . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12139أبو مالك: يطلقها ، وليس لها من الأمر شيء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: تنال منه من اللذة كما ينال منها ، وله الفضل بنفقته . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة [ ص: 262 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=883439 "لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" . وقالت
ابنة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم .
فصل
اختلف العلماء في هذه الآية: هل تدخل في الآيات المنسوخات أم لا؟ على قولين . أحدهما: أنها تدخل في ذلك . واختلف هؤلاء في المنسوخ منها ، فقال قوم: المنسوخ منها قوله تعالى:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقالوا: فكان يجب على كل مطلقة أن تعتد بثلاثة قروء ، فنسخ حكم الحامل بقوله تعالى:
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ الطلاق: 4 ] . وحكم المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى:
إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [ الطلاق: 1 ] . وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك في آخرين . وقال قوم: أولها محكم ، والمنسوخ قوله تعالى:
وبعولتهن أحق بردهن قالوا: كان الرجل إذا طلق امرأته كان أحق برجعتها ، سواء كان الطلاق ثلاثا ، أو دون ذلك ، فنسخ بقوله تعالى:
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والقول الثاني: أن الآية كلها محكمة ، فأولها عام . والآيات الواردة في العدد ، خصت ذلك من العموم ، وليس بنسخ . وأما ما قيل في الارتجاع ، فقد ذكرنا أن معنى قوله تعالى:
وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ، أي: في العدة قبل انقضاء القروء الثلاثة ، وهذا القول هو الصحيح .