والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير .
قوله تعالى:
والوالدات يرضعن أولادهن لفظه لفظ الخبر ، ومعناه الأمر ، كقوله تعالى:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة: 228 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى: وهذا الأمر انصرف إلى الآباء ، لأن عليهم الاسترضاع ، لا إلى الوالدات ، بدليل قوله تعالى:
وعلى المولود له رزقهن و قوله تعالى:
فآتوهن أجورهن [ النساء: 24 ] فلو كان متحتما على الوالدة ، لم تستحق الأجرة . وهل هذا عام في جميع الوالدات؟ فيه قولان . أحدهما: أنه خاص في المطلقات ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل في آخرين . والثاني: أنه عام في الزوجات والمطلقات ، ولهذا نقول: لها أن تؤجر نفسها لرضاع ولدها ، سواء كانت مع الزوج ، أو مطلقة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى ، nindex.php?page=showalam&ids=12033وأبو سليمان الدمشقي في آخرين . والحول: السنة ، وفي قوله:
(كاملين) قولان . أحدهما: أنه دخل للتوكيد ،
[ ص: 271 ] كقوله تعالى:
تلك عشرة كاملة [ البقرة: 196 ] . والثاني: أنه لما جاز أن يقول: "حولين" ويريد أقل منهما ، كما قال:
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه [ البقرة: 203 ] ومعلوم أنه يتعجل في يوم ، وبعض آخر . وتقول
العرب ، لم أر فلانا منذ يومين ، وإنما يريدون: يوما وبعض آخر ، قال: كاملين لتبيين أنه لا يجوز أن ينقص منهما ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء . فصل
واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، فقال بعضهم: هو محكم ، والمقصود منه بيان مدة الرضاع ، ويتعلق به أحكام ، منها أنه كمال الرضاع ، ومنها أنه يلزم الأب
نفقة الرضاع مدة الحولين ، ويجبره الحاكم على ذلك ، ومنها أنه يثتب تحريم الرضاع في مدة الحولين ، ولا يثبت فيما زاد ، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس في آخرين أنه منسوخ بقوله تعالى:
فإن أرادا فصالا عن تراض منهما قال شيخنا
علي بن عبيد الله: وهذا قول بعيد ، لأن الله تعالى قال في أولها:
لمن أراد أن يتم الرضاعة فلما قال في الثاني:
فإن أرادا فصالا عن تراض منهما خير بين الإرادتين ، وذلك لا يعار ض المدة المقدرة في التمام .
قوله تعالى:
لمن أراد أن يتم الرضاعة أي: هذا التقدير بالحولين لمريدي إتمام الرضاعة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد بتاءين "أن يتم الرضاعة" وبالرفع ، وهي رواية
الحلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16501عبد الوارث . وقد نبه ذكر التمام على نفي حكم
الرضاع بعد الحولين ، وأكثر القراء على فتح راء "الرضاعة" وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف ، nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة ، nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء ، بكسرها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: يقال: الرضاعة بفتح الراء وكسرها ، والفتح أكثر ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح هاهنا لا غير .
[ ص: 272 ] قوله تعالى:
(وعلى المولود له) يعني: الأب .
(رزقهن وكسوتهن) يعني: المرضعات . وفي قوله:
(بالمعروف) دلالة على أن الواجب على قدر حال الرجل في إعساره ويساره ، إذ ليس من المعروف إلزام المعسر مالا يطيقه ، ولا الموسر النزر الطفيف . وفي الآية دليل على تسويغ اجتهاد الرأي في أحكام الحوادث ، إذ لا يتوصل إلى تقدير النفقة بالمعروف إلا من جهة غالب الظن ، إذ هو معتبر بالعادة .
قوله تعالى:
لا تكلف نفس إلا وسعها أي: إلا ما تطيقه ،
لا تضار والدة بولدها قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ، nindex.php?page=showalam&ids=11793وأبان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم (لا تضار) برفع الراء ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ، nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بنصبها ، قال
أبو علي: من رفع ، فلأجل المرفوع قبله ، وهو "لا تكلف" فأتبعه بما قبله ليقع تشابه اللفظ ، ومن نصب جعله أمرا ، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: معناه: لا تضارر ، فأدغمت الراء في الراء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : لا يحملن المطلقة مضارة الزوج أن تلقي إليه ولده . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: لا تأبى أن ترضعه ضرارا بأبيه ، ولا يضار الوالد بولده ، فيمنع أمه أن ترضعه ، ليحزنها بذلك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي في آخرين: إذا رضيت بما يرضى به غيرها ، فهي أحق به . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر "لا تضار" بتخفيفها وإسكانها .
قوله تعالى:
وعلى الوارث فيه أربعة أقوال . أحدها: أنه وارث المولود ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل في آخرين . واختلف أرباب هذا القول ، فقال بعضهم: هو وارث المولود من عصبته ، كائنا من كان ، وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، وإبراهيم ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان . وقال بعضهم: هو وارث المولود على الإطلاق من الرجال والنساء ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل . وقال آخرون:
[ ص: 273 ] هو من كان ذا رحم محرم من ورثة المولود ، روي عن
أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد . والقول الثاني: أن المراد بالوارث هاهنا ، وارث الوالد ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . والثالث: أن المراد بالوارث الباقي من والدي الولد بعد وفاة الآخر ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان . والرابع: أنه أريد بالوارث الصبي نفسه ، والنفقة عليه ، فإن لم يملك شيئا ، فعلى عصبته ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=16812وقبيصة بن ذؤيب . قال شيخنا
علي بن عبيد الله: وهذا القول لا ينافي قول من قال: المراد بالوارث وارث الصبي ، لأن النفقة تجب للموروث على الوارث إذا ثبت إعسار المنفق عليه . وفي قوله تعالى:
(مثل ذلك) ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الإشارة إلى أجرة الرضاع والنفقة ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، وإبراهيم ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=16812وقبيصة بن ذؤيب ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة . والثاني: أن الإشارة بذلك إلى النهي عن الضرار ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري . واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج . والثالث: أنه إشارة إلى جميع ذلك ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل ، وأبي سليمان الدمشقي ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى . ويشهد لهذا أنه معطوف على ما قبله ، وقد ثبت أن على المولود له النفقة والكسوة ، وأن لا يضار ، فيجب أن يكون قوله:
(مثل ذلك) مشيرا إلى جميع ما على المولود له .
قوله تعالى:
فإن أرادا فصالا عن تراض الفصال: الفطام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: يقال: فصلت الصبي أمه: إذا فطمته . ومنه قيل للحوار إذا قطع عن الرضاع: فصيل ، لأنه فصل عن أمه ، وأصل الفصل: التفريق . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: التشاور فيما دون الحولين إن أرادت أن تفطم وأبى ، فليس لها ، وإن أراد هو ، ولم ترد ، فليس له ذلك حتى يقع ذلك عن تراض منهما وتشاور ، يقول: غير مسيئين إلى أنفسهما وإلى صبيهما .
قوله تعالى:
وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: أي: لأولادكم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: إذا لم ترض الأم بما يرضى به غيرها ، فلا حرج على الأب أن سترضع لولده .
[ ص: 274 ] وفي قوله تعالى:
إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف قولان . أحدهما: إذا سلمتم أيها الآباء إلى أمهات الأولاد أجور ما أرضعن قبل امتناعهن ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي . والثاني: إذا سلمتم إلى الظئر أجرها بالمعروف ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير (ما أتيتم) بالقصر ، قال
أبو علي: وجهه أن يقدر فيه: ما أتيتم نقده أو سوقه ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه [فكأن التقدير ما آتيتموه ثم حذف الضمير من الصلة ] كما تقول: أتيت جميلا ، أي: فعلته .