قوله تعالى:
أو كصيب من السماء
"أو" حرف مردود على قوله:
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا [ البقرة: 17 ] واختلف العلماء فيه على ستة أقوال .
[ ص: 42 ] أحدها: أنه داخل هاهنا للتخيير ، تقول
العرب جالس الفقهاء أو النحويين ، ومعناه: أنت مخير في مجالسة أي: الفريقين شئت ، فكأنه خيرنا بين أن نضرب لهم المثل الأول أو الثاني .
والثاني: أنه داخل للإبهام فيما قد علم الله تحصيله ، فأبهم عليهم ما لا يطلبون تفصيله ، فكأنه قال: مثلهم كأحد هذين . ومثله قوله تعالى:
فهي كالحجارة أو أشد قسوة [ البقرة: 74 ]
والعرب تبهم ما لا فائدة في تفصيله . قال
لبيد: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر
أي: هل أنا إلا من أحد هذين الفريقين ، وقد فنيا فسبيلي أن أفنى كما فنيا .
والثالث: أنه بمعنى بل . وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح
والرابع: أنه للتفصيل ، ومعناه: بعضهم يشبه بالذي استوقد نارا ، وبعضهم بأصحاب الصيب . ومثله قوله تعالى:
كونوا هودا أو نصارى [ البقرة: 135 ] معناه: قال بعضهم ، وهم اليهود: كونوا هودا ، وقال النصارى: كونوا نصارى . وكذا قوله:
فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون [ الأعراف: 4 ] معناه: جاء بعضهم بأسنا بياتا وجاء بعضهم بأسنا وقت القائلة .
والخامس: أنه بمعنى الواو . ومثله قوله تعالى:
أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم [ النور: 61 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=15626جرير: نال الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر
السادس أنه للشك في حق المخاطبين ، إذ الشك مرتفع عن الحق عز وجل ، ومثله قوله تعالى:
وهو أهون عليه [ الروم: 37 ] يريد: فالإعادة أهون من الابتداء فيما تظنون .
[ ص: 43 ] فأما التفسير لمعنى الكلام: أو كأصحاب صيب ، فأضمر الأصحاب; لأن في قوله:
يجعلون أصابعهم في آذانهم دليلا عليه .
والصيب: المطر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: هو فيعل من صاب يصوب: إذا نزل من السماء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: كل نازل من علو إلى استفال ، فقد صاب يصوب ، قال الشاعر:
كأنهم صابت عليهم سحابة صواعقها لطيرهن دبيب
وفي الرعد ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه صوت ملك يزجر السحاب ، وقد روي هذا المعنى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد . وفي رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه صوت ملك يسبح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة: هو ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الإبل .
والثاني: أنه ريح تختنق بين السماء والأرض . وقد روي عن
أبي الجلد أنه قال: الرعد: الريح . واسم
أبي الجلد: جيلان بن أبي فروة البصري ، وقد روى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
والثالث: أنه اصطكاك أجرام السحاب ، حكاه شيخنا
علي بن عبيد الله .
وفي البرق ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه مخاريق يسوق بها الملك السحاب ، روي هذا المعنى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب . وفي رواية عن
علي قال: هو ضربة بمخراق من حديد . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: أنه ضربة بسوط من نور . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: المخاريق: ثياب تلف ، ويضرب بها الصبيان بعضهم بعضا ، فشبه السوط الذي يضرب به السحاب بذلك المخراق .
[ ص: 44 ] قال
عمرو بن كلثوم: كأن سيوفنا فينا وفيهم مخاريق بأيدي لاعبينا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: البرق مصع ملك ، والمصع: الضرب والتحريك .
الثاني: أن البرق: الماء ، قاله
أبو الجلد ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس أن البرق: تلألؤ الماء .
والثالث: أنه نار تتقدح من اصطكاك أجرام السحاب لسيره ، وضرب بعضه لبعض ، حكاه شيخنا .
والصواعق: جمع صاعقة ، وهي صوت شديد من صوت الرعد يقع معه قطعة من نار تحرق ما تصيبه ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب: أن الملك الذي يسوق السحاب ، إذا اشتد غضبه ، طار من فيه النار ، فهي الصواعق . وقال غيره: هي نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: وإنما سميت صاعقة ، لأنها إذا أصابت قتلت ، يقال: صعقتهم أي: قتلتهم .