وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا
قوله تعالى:
وابتلوا اليتامى سبب نزولها: أن رجلا ، يقال له:
رفاعة ، مات وترك ولدا صغيرا ، يقال له:
ثابت ، فوليه عمه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله؟ ومتى أدفع إليه ماله؟ فنزلت هذه الآية ، ذكر نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل . والابتلاء: الاختبار . وبماذا يختبرون؟ فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم يختبرون في عقولهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل . والثاني: يختبرون في عقولهم ودينهم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد كالقولين .
والثالث: في عقولهم ودينهم ، وحفظهم أموالهم ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى: وهذا الابتلاء قبل البلوغ .
قوله تعالى:
حتى إذا بلغوا النكاح قال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: أي: بلغوا أن ينكحوا النساء
فإن آنستم أي: علمتم ، وتبينتم . وأصل: أنست: أبصرت . وفي الرشد أربعة أقوال .
أحدها: الصلاح في الدين ، وحفظ المال ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن . [ ص: 15 ] والثاني: الصلاح في العقل ، وحفظ المال ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
والثالث: أنه العقل ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي . والرابع: العقل ، والصلاح في الدين ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . فصل
واعلم أن الله تعالى علق رفع الحجر عن اليتامى بأمرين; بالبلوغ والرشد ، وأمر الأولياء باختبارهم ، فإذا استبانوا رشدهم ، وجب عليهم تسليم أموالهم إليهم .
والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء ، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء; الاحتلام ، واستكمال خمس عشرة سنة ، والإنبات ، وشيئان يختصان بالنساء الحيض والحمل .
[ ص: 16 ] قوله تعالى:
ولا تأكلوها إسرافا خطاب للأولياء ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا تأكلوها بغير حق . و"بدارا": تبادرون أكل المال قبل بلوغ الصبي
ومن كان غنيا فليستعفف بماله عن مال اليتيم . وفي الأكل بالمعروف أربعة أقوال .
أحدها: أنه الأخذ على وجه القرض ، وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية ، وعبيدة ، وأبي وائل ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل .
والثاني: الأكل بمقدار الحاجة من غير إسراف ، وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
والثالث: أنه الأخذ بقدر الأجرة إذا عمل لليتيم عملا ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، وهي رواية
أبي طالب ، وابن منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه .
والرابع: أنه الأخذ عند الضرورة ، فإن أيسر قضاه ، وإن لم يوسر ، فهو في حل ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي . [ ص: 17 ] فصل
واختلف العلماء هل هذه الآية محكمة أو منسوخة؟ على قولين .
أحدهما: محكمة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة في آخرين . وحكمها عندهم أن الغني ليس له أن يأكل من مال اليتيم شيئا ، فأما
الفقير الذي لا يجد ما يكفيه ، وتشغله رعاية مال اليتيم عن تحصيل الكفاية ، فله أن يأخذ قدر كفايته بالمعروف من غير إسراف .
وهل عليه الضمان إذا أيسر؟ فيه قولان . لهم .
أحدهما: أنه لا ضمان عليه ، بل يكون كالأجرة له على عمله ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل .
والثاني: إذا أيسر وجب عليه القضاء ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وغيره ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا كالقولين .
والقول الثاني: أنها منسوخة بقوله
لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء: 29] وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ولا يصح .
قوله تعالى:
فأشهدوا عليهم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى: هذا على طريق الاحتياط لليتيم ، والولي ، وليس بواجب ، فأما اليتيم ، فإنه إذا كانت عليه بينة ، كان أبعد من أن يدعي عدم القبض ، وأما الولي ، فإن تظهر أمانته ، ويسقط عنه اليمين عند إنكار اليتيم للدفع ، وفي "الحسيب" ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه الشهيد ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل .
والثاني: أنه الكافي ، من قولك: أحسبني هذا الشيء [أي: كفاني ، والله حسيبي وحسيبك ، أي:كافينا ، أي: يكون حكما بيننا كافيا .
[ ص: 18 ] قال الشاعر:
ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ونحسبه إن كان ليس بجائع
أي: نعطيه ما يكفيه حتى يقول: حسبي] قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة والخطابي .
والثالث: أنه المحاسب ، فيكون في مذهب جليس ، وأكيل ، وشريب ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة والخطابي .