يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا
قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها سبب
[ ص: 39 ] نزولها: أن الرجل كان إذا مات ، كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاؤوا زوجوها ، وإن شاؤوا لم يزوجوها ، فنزلت هذه الآية . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقال في رواية أخرى: كانوا في أول الإسلام إذا مات الرجل ، قام أقرب الناس منه ، فيلقي على امرأته ثوبا ، فيرث نكاحها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: كان إذا توفي الرجل ، فابنه الأكبر أحق بامرأته ، فينكحها إن شاء ، أو ينكحها من شاء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=131أبو أمامة بن سهل ابن حنيف: لم توفي
أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده ، وكان ذلك لهم في الجاهلية ، فنزلت هذه الآية . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة: واسم هذه المرأة:
كبيشة بنت معن بن عاصم ، وكان هذا في
العرب . وقال
أبو مجلز: كانت
الأنصار تفعله . وقال
ابن زيد: كان هذا في أهل
المدينة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي: إنما كان ذلك للأولياء ما لم تسبق المرأة ، فتذهب إلى أهلها ، فإن ذهبت ، فهي أحق بنفسها .
وفي معنى قوله:
أن ترثوا النساء كرها قولان .
أحدهما: أن ترثوا نكاح النساء ، وهذا قول الجمهور .
والثاني: أن ترثوا أموالهن كرها . روى
ابن أبي طلحة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال: كان يلقي حميم الميت على الجارية ثوبا ، فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ، فيرثها .
[ ص: 40 ] 2 - واختلف القراء في فتح كاف "الكره" وضمتها في أربعة مواضع: هاهنا ، وفي "التوبة" وفي "الأحقاف" في موضعين ، فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ، nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو بفتح الكاف فيهن ، وضمهن
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ، nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر بالفتح في "النساء" و"التوبة" ، وبالضم في "الأحقاف" . وهما لغتان ، قد ذكرناهما في "البقرة" .
وفيمن خوطب بقوله:
"ولا تعضلوهن" ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه خطاب للأزواج ، ثم في العضل الذي نهى عنه ثلاثة أقوال .
أحدها: أن الرجل كان يكره صحبة امرأته ، ولها عليه مهر ، فيحبسها ، ويضربها لتفتدي ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
والثاني: أن الرجل كان ينكح المرأة الشريفة ، فلعلها لا توافقه ، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، ويشهد على ذلك ، فإذا خطبت ، فأرضته ، أذن لها ، وإلا عضلها قاله
ابن زيد .
والثالث: أنهم كانوا بعد الطلاق يعضلون ، كما كانت الجاهلية تفعل ، فنهوا عن ذلك ، روي عن
ابن زيد أيضا . وقد ذكرنا في "البقرة" أن الرجل كان يطلق المرأة ، ثم يراجعها ، ثم يطلقها كذلك أبدا إلى غير غاية يقصد إضرارها ، حتى نزلت
الطلاق مرتان [البقرة: 229] .
والقول الثاني: أنه خطاب للأولياء ، ثم في ما نهوا عنه ثلاثة أقوال .
أحدها: أن الرجل كان في الجاهلية إذا كانت له قرابة قريبة ، ألقى عليها ثوبه ، فلم تتزوج أبدا غيره إلا بإذنه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني: أن اليتيمة كانت تكون عند الرجل فيحبسها حتى تموت ، أو تتزوج بابنه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . [ ص: 41 ] والثالث: أن الأولياء كانوا يمنعون النساء من التزويج ، ليرثوهن ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أيضا .
والقول الثالث: أنه خطاب لورثة أزواج النساء الذين قيل: لهم: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها . كان
الرجل يرث امرأة قريبة ، فيعضلها حتى تموت ، أو ترد عليه صداقها . هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في آخرين . وعلى هذا يكون الكلام متصلا بالأول ، وعلى الأقوال . التي قبله يكون ذكر العضل منفصلا عن قوله:
أن ترثوا النساء .
وفي الفاحشة قولان . . أحدهما: أنها النشوز على الزوج ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة في جماعة .
والثاني: الزنى ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة في جماعة . وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، قال: كانت المرأة إذا أصابت فاحشة ، أخذ زوجها ما ساق إليها ، وأخرجها ، فنسخ ذلك بالحد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: وهذا القول ليس بصحيح ، لأن الحد حق الله ، والافتداء حق للزوج ، وليس أحدهما: مبطلا للآخر ،
[ ص: 42 ] والصحيح: أنها
إذا أتت بأي فاحشة كانت ، من زنى الفرج ، أو بذاءة اللسان ، جاز له أن يعضلها ، ويضيق عليها حتى تفتدي . فأما قوله: "مبينة" فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ، nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم: "مبينة" ، و"آيات مبينات" بفتح الياء فيهما جميعا . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر ، nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وحفص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم: بكسر الياء فيهما ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ، nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو "مبينة" كسرا و"آيات مبينات" فتحا . وقد سبق ذكر "العشرة" .
قوله تعالى:
فعسى أن تكرهوا شيئا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ربما رزق الله منهما ولدا ، فجعل الله في ولدها خيرا كثيرا . وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ، ونبهت على معنيين . أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح ، فرب مكروه عاد محمودا ، ومحمود عاد مذموما .
والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبا ليس فيه ما يكره ، فليصبر على ما يكره لما يحب . وأنشدوا في هذا المعنى:
ومن لم يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة
يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب .